
بيت لقيا – رام الله
خلال اقتحام لجيش الاحتلال، انقلب أحد جيباته العسكرية، فهرع إليه مسعفٌ فلسطيني، لم يُطلب منه، ليسعف الجنود المحتلين الذين اقتحموا بيته وأرضه.
الموقف أثار ضجة على المنصات، وسرعان ما جاءنا سؤال يتكرر كثيرًا:
“لماذا تهاجمون هذا المسعف باسم إنسانيته، بينما تمجّدون المقاومة وهي تُظهر الأسرى بملابس نظيفة، وبحالة صحية جيدة؟ أليس هذا أيضًا فعلًا إنسانيًا؟”
الجواب ببساطة: لأن هناك فرقًا جذريًا بين الإنسانية المبدئية والإنسانية المضلّلة التي تُفقدك البوصلة.
المقاومة حين تُكرم الأسرى، فهي تُمارس أخلاقًا عالية لفضح نقيضها: الاحتلال.
تقول للعالم: رغم المجاعة والدمار، نحفظ كرامة الأسير، ونُظهره بأبهى صورة – صورة تقلب معادلة الدعاية الصهيونية رأسًا على عقب.
أما ما فعله المسعف في بيت لقيا، فهو -بنية حسنة أو لا- يمنح عدوه فرصة ذهبية لتجميل وجهه الدموي.
يسعف من اغتال الصحفيين وقصف المستشفيات وداس على المرضى في شمال غزة، دون أن يطلب منه أحد، ولا في ظرف يستدعيه.
هنا الفارق الأخلاقي والسياسي:
✔️ المقاومة تعاملت مع أسير مُجرّد من سلاحه، وتحت السيطرة، كرسالة إنسانية مدروسة.
✖️ المسعف تعامل مع محتل على سلاحه وفي موقع عدوانه، فغطّى جرمه باسم “الرحمة”.
نُقدّر دوافع الرحمة، ونُجلّ الضمير الإنساني،
لكن حين تختلط الرحمة بالغباء السياسي، فإنها تتحول إلى خدمة مجانية للقاتل!
الإنسانية الحقة لا تبرّر الظلم، ولا تسعف القاتل بينما دماء الضحايا لم تجف.
وإن خانك وعيك السياسي، فأقلّ ما تفعله هو أن لا تتصدر مشهدًا يُطبع الجريمة ويجعل الاحتلال يبدو كأنه “ضحية”.
فغزة تُباد منذ 18 شهرًا، وجيش الاحتلال يدمر مشافيها، فهل نُسعف قاتلها، أم نفضح إجرامه؟