عبارات وعبرات

قرار اليونسكو وزبدة الفول السوداني

استفز قرار اليونسكو، الذي نفى أي علاقة لليهودية بالمسجد الأقصى والقدس، إسرائيل بكافة طبقاتها من رأس الحكومة حتى المستوطن في الشارع، لكنه لم يؤثر سلبًا على حديث رئيس الوزراء، ولم يدخله في جدال عاطفي مع وسائل الإعلام، بل جاءت تصريحاته بشكل عقلاني وخطاب مقنع، يتماهى مع ما دأبت عليه إسرائيل في حوارها مع الغرب، فقال نتنياهو:

«ماذا بعد؟ قرار اليونسكو وكأنه يلغي العلاقة بين زبدة الفول السوداني والجيلي؟ بين باتمان وروبن؟ بين الروك والرول»

هذا النوع من الحوار متغلغل في ثقافة الآخر، ومقبول عند الغرب؛ لأنه من صميم حياتهم اليومية، لذا فهو خطاب قابل للتصديق ويتبناه المواطن في الشارع الأمريكي قبل الإعلامي في وكالات الأنباء، على عكس تصريحات الفلسطينيين تجاه القضايا والثوابت الفلسطينية التي عادة ما يغلب عليها الخطاب العاطفي.

ماذا لو قلبنا الخبر وأصدرت اليونسكو قرارًا ينفي علاقة الإسلام بالمسجد الأقصى وحائط البراق، كيف ستكون تصريحات القادة العرب والسياسيين الفلسطينيين؟

من المؤكد ستضم العبارات التقليدية التي نسمعها من 1948م: “هذه مؤامرة، إنها خيانة، إنهم يتآمرون على مقدساتنا ويسرقون تراثنا، ويتعاونون مع المحتل لتدمير ثوابتنا، عليهم أن يعترفوا بحقنا وحق آبائنا الأولين”.

وبعد أطنان الجعجعة والشجب والاستنكار وحرق بعض أعلام الدول الأجنبية، ستكون مهمة المتابع الغربي سهلة في تقييم الحدث، فصاحب الفم الكبير يدافع بطريقة خاطئة عن حقه، وعلو صوته دليل ضعف حجته.

لكن على الجانب الآخر الموضوع بالنسبة لإسرائيل ليست معركة مهمة لتكسبها، ففي هذه المرحلة من تاريخها هي لا تعوّل كثيرًا على إثبات ملكية أرض أو حق في مقدسات، لقد تجاوزتها منذ سنوات.

النشأة الأولى:

اعتمدت إسرائيل في نشأتها على كونها دولة “دارئة” تحول دون وحدة الدول العربية المتجاورة، وجودها على 27 ألف كم2 – هي مساحة فلسطين – يمنع وحدة بين سوريا ومصر، وترابط بين الأردن ولبنان، واتفاق تجاري بين شرق العالم العربي وغربه إلا من خلالها؛ ذلك لما يملكه موقع فلسطين الاستراتيجي من خصوصية.

هذا المفهوم الاستعماري كان ضروريًا في بداية الإعلان عن دولة الكيان، فكانت الصور الأولى للمستعمرين مقبولة لدى الإعلام الغربي، ويعلّق عليها المواطن بانبهار: “إنهم رجال بيض مثلنا يزرعون الأرض ويبنون حياتهم بكد عرقهم، لذا فهذه الأرض من حقهم”.

الإنجاز العلمي:

لكن العالم بدأ يتعافى من مفهوم الاستعمار العسكري ولا يتقبله، وأدركت إسرائيل ذلك مبكرًا فبدأت بخلق سبب جديد يجعلها مقبولة عالميًا، على التوازي مع إنشاء المستوطنات في أرجاء فلسطين، ذلك السبب كان العالم بحاجة ماسة له، إنه التقدم العلمي وتصدير أخبار الإنجازات العلمية والابتكارات التي تفيد البشرية، فكانت الاختراعات والاكتشافات المذهلة ومعظم الجوائز العالمية تذهب لشخصيات تكتشف أن جذور أصحابها إسرائيلية.

تصدير الأمن:

دخل العالم في سباق مع إسرائيل لحصد تلك الجوائز، فانتقلت هي لمرحلة أعلى بتصدير مفهومها عن الأمن، على اعتبار أنها النموذج الأمثل، وبدأت السينما في هوليود ترسل رسالة تلو الأخرى ترسخ مفهوم أن السلاح في العالم مصدره الأول إسرائيل.
الإسرائيلي هو من يصنع السلاح، ومن يملك مساحات واسعة لتجربته ودفن مخلفاته، ومن له رخصة لقتل البشر – بحجة الدفاع عن النفس- ليضمن لك فعالية منتجه، ثم هو الوحيد المصرح له بتصديره وبيعه.

معركة بمكاسب مختلفة:

كان تعليق نتنياهو على اليونسكو تعليق شخص مستاء، لكنه تعليق بعيد عن التخوين والتآمر، وإغراق السفن وحرق الأعلام، فقال:

«يستمر مسرح الدمى السخيف عروضه في اليونسكو لأن القول بعدم وجود علاقة لليهود في المبكى وجبل الهيكل يشبه القول أن لا علاقة بين الصين وسورها العظيم أو مصر وأهراماتها»

كي يتركنا نفرح بنصر في معركة لا يخوض رحاها مرحليًا، فالقدس والأقصى والمستوطنات والجدار والأرض مفاهيم تخطاها إعلاميًا منذ زمن، ورسخ له جذورًا عميقا في وعي الشعوب تقضي بأحقية شعبه فيها، وهو يعمل في معركة وجود من نوع آخر مازلنا بحاجة لسنوات ضوئية حتى نصلها.

_____________________________________
تبنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 2016 -خلال اجتماع في العاصمة الفرنسية باريس- قرارا ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بـالمسجد الأقصى وحائط البراق، ويعتبرهما تراثا إسلاميا خالصا. المصدر

خالد صافي

خالد صافي مختص في التسويق الرقمي ومدرب خبير في الإعلام الاجتماعي، حاصل على لقب سفير الشباب الفخري من وزير الشباب والرياضة التركية، حاز على جائزة أفضل مدونة عربية لعام 2012 من دويتشه فيله الألمانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Protected by WP Anti Spam
شاهد أيضًا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى