علمتني رحلة

عشية الانتخابات الأمريكية ما تعشينا

بداية نوفمبر كان موعدي مع السفر لأمريكا في وقت تزاحمت فيه الأحداث، منها انتخابات الرئاسة الأمريكية، وحتى لا تختلط الأمور سأتحدث على الشعب الأمريكي باسم “العالم الذي يسكن فوق هذه الأرض”؛ لأجبَّ الغيبة عن قلمي، وأزيل عن كاهلي ظن بعضهم انبهاري بالسياسة الأمريكية أو ارتمائي في أحضان الرأسمالية..

كل ما يلي هو أحداث ومواقف افتقدتها كعربي في الانتخابات الأمريكية على اعتبار أنها أكبر حدث سياسي على مستوى القارة بل الكرة الأرضية:

– لم نسمع عشية الانتخابات أحاديث هنا وهناك تؤكد على أن المرشح الانتخابي وزّع سكر وزيت على الناخبين في القرى ومناطق الصعيد لكسب أصواتهم.

– لم تغلق المدارس ولا الجامعات ولا المعاهد أبوابها أمام الطلاب أيام الانتخابات والدراسة لم تعلّق، ولم يخرج مجلس الطلاب في مظاهرات انتخابية.

– لم نر رايات بألوان مختلفة في الشوارع ولا فوق البيوت ولا ناطحات السحاب، فقط العلَم الأمريكي.

– لم تطلق الشعارات الرنانة التي تندد بالمرشح فلان أنه عميل للأمريكان وينفذ الأجندة الأمريكية في المنطقة.

– لم يُجبر الناس على الذهاب للمدارس لإجراء العملية الانتخابية في الفصول التي يطلع عليها جورًا اسم لجان، فطريقة الانتخاب على مزاج الموطن نفسه وفي المكان الذي يفضله، بيته أو مكتبه أو حتى في الشارع.

– لم نسمع عبارات الاتهام والتخوين والتجريح والإساءات الشخصية من مرشح لمنافسه، إنما هي أدلة وأرقام وحقائق وطموح.

– لم تستغرق لجنة الانتخابات ثلاث ساعات في خطاب الإعلان عن النتيجة، وتقرأها من مجلد أكبر من مجلد ميكي الشهري، فالأرقام تظهر إلكترونيًا على الشاشات العملاقة في لحظات في كل مكان.

– الفائز يتأخر أكثر من ساعتين عن موعد إلقاء خطاب النصر، ليس لمشاكل الصوت التقنية ولا لغياب وسائل الإعلام ولا انتظارًا لحشد الجماهير، وإنما لأنه كان بانتظار اتصال منافسه يبارك له النصر ويتمنى له النجاح في مهمته.

بعد إعلان النتيجة:

– لم يكن يوم (صباحية الانتخابات) عطلة رسمية بل توجه الناس لعملهم بشكل طبيعي وهادئ وكأن البلد لم تشهد عرسًا ديمقراطيًا بالأمس سمع عنه نصف بني البشر تقريبًا.

– لم نجد في الشوارع الأوراق الانتخابية ولا البطاقات التعريفية ولا الملصقات الجدارية.

– لا توجد أي مظاهر لمشاجرات جدلية ولا مناكفات سياسية بين مشجعي المرشحين على الناصية.

– لم نسمع عبارات اللوم على محافظة الإسكندرية التي خذلت صباحي ولا مدينة رفح التي حسمت “كبود” لفتح.

– لا يتحدث الناس عن الماضي باللوم والتثريب، ولا تكاد تلحظ استخدام الجمل الشرطية المبتدئة بـ “لو” في حوارات العامة.

– خطاب المنتصر، لم يكن أكثر من 20 دقيقة.

في المقابل:

– اتسمت المناظرات بالوضوح والمكاشفة، بلا محاباة لأي طرف على حساب الآخر، واعتراف مباشر بالخطأ.

– لا اتهامات بالسرقة والخيانة والعمالة بلا أدلة دامغة.

– لا مجال لوعود مطاطة وكلمات رنانة وعبارات حماسية بعيدة عن التنفيذ على أرض الواقع.

– وسائل الإعلام تنقل الحدث بشفافية كاملة بلا تزوير ولا تهويل ولا محاباة، وحتى المواقف الطريفة التي مر بها الإعلاميون أثناء الانتخابات، تم بثها في تغطية خاصة بعد الانتخابات.

– لم يتأخر الناس عن الاحتشاد في الأماكن العامة حتى منتصف الليل لمعرفة النتيجة النهائية رغم برودة الجو وسقوط الثلوج في بعض المناطق.

– في كل مكان توجد شاشات تفاعلية عملاقة تجعلك على اطلاع لحظي بالنتائج

– الجماهير التي تتابع نتائج الاستطلاعات في الشوارع تجلس جنبًا إلى جنب، وتشاهد سويًا رغم أنهم من أحزاب مختلفة، جمهوري يجالس ديمقراطي بلا انزعاج.

– كلما أُعلنت نتيجة تصدّر مرشح في ولاية تنطلق الهتافات وتسمع التصفيق والتهليل يصدح من بين الجماهير، والعجيب أن نفس التهليل ينطلق من نفس المكان عندما يتصدّر المرشح المنافس النتائج.

– تابع الحدث في الساحات العامة والأماكن المفتوحة أشخاص من جنسيات ليس لها علاقة بالانتخابات (مثلي)، بعضهم يلتقط الصور التذكارية عند المنصات والآخر يستمتع بالمشاهد والاحتفالات في كافة الأرجاء وكأنه كرنفال.

– النتيجة 50.4% الحزب الديمقراطي مقابل 48.09% الحزب الجمهوري
بالنسبة لنا كعرب من أغرب النتائج التي لم نعهد مثلها قبل انتخابات الرئاسة المصرية.

– الإعلام الأمريكي يسعى لتطبيق مبدأ: (Don’t tell me, show me) “ما تحكي لي شو صار، فرجيني”
وبالتالي قلما تجد روحًا تسري في الشائعات المغرضة.

أقول:

ولجلاء الصورة أكثر أؤكد أن ما ذكرته عن هذا الحدث لم يكن تملقًا على اعتبار القول المتوارث: “دارهم ما دمت في دارهم، وارضهم مادمت في أرضهم”..
وليس انبهارًا بالعالم الأول وقشرته الخارجية الهشة..
وإنما محاولة لأعرف طريقة تعاطي “من يسكن فوق هذه الأرض” مع الأحداث على اختلاف صداها..
والذكاء الذي يصنع من هذه الأحداث مادة ترسخ الاعتقاد الجازم لدى من سواهم من البشر بأحقية بلاد العم سام بتصدر عرش الهيمنة على العالم أجمع، فقد اتخذ الأمريكان هذا اليوم عيدًا..
مارسوا طقوسه ليلاً..
وكدأبهم..
جعلوا العالم يرقص على رجع أنغامه لسنين قادمة..

خالد صافي

خالد صافي مختص في التسويق الرقمي ومدرب خبير في الإعلام الاجتماعي، حاصل على لقب سفير الشباب الفخري من وزير الشباب والرياضة التركية، حاز على جائزة أفضل مدونة عربية لعام 2012 من دويتشه فيله الألمانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Protected by WP Anti Spam
زر الذهاب إلى الأعلى