سياسة

متى يشف الله صدور قوم مؤمنين؟

ثورات الشعوب لإسقاط النظام
ثورة شباب الأمة لإعادة مجدها وإسقاط النظام.. والذل والهوان

سؤال طالما خالج صدري، وشاكس خاطري، كما استفز الفاروق رضي الله عنه يوماً وأثار حفيظته، وصدح به في أول يوم لإسلامه مخاطباً خير البرية صلى الله عليه وسلم باستنكار: ألسنا على الحق؟ أليسوا على الباطل؟ إذن لم نعطي الدنية في ديننا؟
انطلق بعدها يُشهر إسلامه نهاراً على ملأ لا يأبه بطشهم رغم قوتهم وسطوتهم..
نوقن في قرارة نفوسنا وبفطرتنا السليمة أن الإسلام على حق، وأن المستقبل للإسلام لا ريب، وأن الله تعالى نصير المسلمين ما تمسكوا بدينهم الحق..

ترى لماذا تأخر النصر كل هذا الوقت؟

أو على وجه الخصوص لماذا نشقى صباح مساء برؤية عدو الله يزهو بنصر تلو النصر، يحقق مكاسب هنا وعلو لفكره وفساده هناك؟ من أين نتجرع الصبر على مشاهدة ارتفاع أسهمه وكثرة مؤيديه، والأدهى أنه كلما سام المسلمين عذاباً لقي هتافاً وإعجاباً؟ وكأن المسلم ما بقي من أعضائه إلا القفا، كي ما يلطم عليه من كل شعوب وحكام العالم، فيرتقوا هم ويوصم هو بالإرهاب، ويزداد القتل إيلاماً فيمن يشاهدون ويسمعون..

هل ولّى زمن آيات الله في خلقه؟

أعلمنا المولى عز وجل يقيناً بمعجزاته في كل مَن علا وطغى، وتجبر وافترى، فحين جاءت الموعظة فرعونَ كان الخطاب: (فَاليومَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) فهل نحن على موعد مع آية على غرارها في فراعنة هذا الزمان؟ أم أن القدر قد اختار موت المزيد من المظلومين بقهرهم واكتواء الكثيرين من المعذبين بحسرتهم قبلما نشهد هذا اليوم؟ يعربد حاكم تلو الآخر على أمة مظلومة ردحاً من الزمن، وعندما يختفي عن وسائل الإعلام، يسطر له التاريخ أنه كان رئيساً ملهماً جلداً، عاش مخلصاً لوطنه وقضيته وحزبه واسمه، فجاهد لأجلهم جميعاً حتى أتاه اليقين، فإن أصاب فله الأجر وإن أخطأ فلم يكن ذلك عن سوء نية، لا يجرؤ أحد في أمريكا لوم جون كيندي على خوضه حرباً خاسرة ضد فيتنام، ولم يلام بوش الأب على (مشاكسة) صدام في حرب العراق الأولى، ولا تثريب كذلك على بوش الابن في تشريد الأفغان، وإبادة شعب كامل كان يسمى العراق ماداموا في وجهة نظره “مارقون بحاجة لتأديب“، ولا يسائل أحدٌ اليوم (أوباما) على تأييده للقذافي في إراقة السائل الأحمر القاني، وحرق شعبه مادام التأييد يضمن ضخ السائل الأسود لأمريكا.

هل سترضى بهذه الخاتمة؟

الطاغية الظالم يحظى بالتأييد ويحمل النياشين، والشاطر حسن يعذب ويلقى في الزنازين؟ إنه على عكس ما عودتنا عليه حكايات الجدات تماماً..

هل توافق أن يموت (شارون) و(بوش) و(شين الهالكين) و(مبارك) و(مخرب ليبيا) و(ليفني) ومن على شاكلتهم على فراش الموت بعد عمر طويل في إخلاصهم المزعوم، ثم جنازة عسكرية أسطورية يطلق فيه 21 رصاصة، يشهدها العالم أجمع على الهواء مباشرة على كافة محطات التلفزة الفضائية والأرضية، باعتبار أن هؤلاء السادة رؤساء يوماً؟ ومن مات بأيديهم وتحريضهم وفسادهم كان مقدر لهم ذلك، وكل إنسان ونصيبه.

أم ترقب بشغف أن يشفى الله صدور قوم مؤمنين بعبرة في موتهم وعظة في خاتمة كل واحد منهم وعبرة، تجعله يقيناً لا يدع مجالاً للشك في قلوب المرجفين أن الله سبحانه يمهل ولا يهمل، وأنه تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لا يفلته؟

أيهما تعتمل في صدرك أكثر؟

الرغبة الأولى التي طالما نازعتني إليها نفسي كانت في الاتجاه الثاني، وهو ديدن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تعاطيه مع أعداء الأمة، ودعاء كليم الله موسى عليه السلام على فرعون وقومه: (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِم وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِم فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا العَذَابَ الأَلِيمَ)، ودعاء نوح بعدما أيقن هلاك قومه: (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّارًا) أما الرغبة الثانية والتي يحمل لواءها الأسيف أبو بكر الصديق رضي الله عنه فكان اختيار طريق صاحب الحلم والأناة، هو لا يعطي الدنية في دينه، ولكنه يؤمن أن ما عند الله أفضل، وخزائنه تعالى تزدان بصبر عباده المتقين على البلاء واحتسابهم الأجر عند اللقاء، فينظر للأمر من زاوية أخرى أعمق وأغزر حكمة، تتمثل في قوله تعالى: (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً).

وأمر الله مسطور في الكون: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُّهْلِكَ قَرْيَةً أمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً)، في رواية حفص عن عاصم جاءت الكلمة (أَمَرْنَا) بفتح الميم، تحمل دعوة للأغنياء والمترفين للامتثال لأمر الله وحكمه، قبلما يحل عليهم غضبه، لكنهم فسقوا وكان من أسباب هلاك الأمم فساد الحكام والمترفين، فلأنهم فسقوا حق عليهم العذاب والتدمير، وفي رواية ورش عن نافع: (أمّرنا) بتشديد الميم، أي جعلنا أغنياءها أمراءها ففسقوا فيها وكان إسناد الفسق فيها لخصوص المترفين دون غيرهم ففسقوا فيها مع أنه ذكر عموم الهلاك للجميع.

فالهلاك قادم، وإن تأخر فهو لحكمة لا يعلمها إلا هو، وإنما أجركم على ما ابتلاكم في الدنيا قليل مقارنة بما أعد لكم في الآخرة من نعيم مقيم.. فهل مازلت بانتظار لحظة تشفي فيها غليلك من عدوك؟

الحمد لله أن منّ علينا وزاد في أعمارنا حتى نشهد لحظات فارقة في تاريخ أمتنا، يشف صدورنا بإزالة الطواغيت الواحد تلو الآخر، ويهز عروش الطغاة من الحكام الذين طالما ساموا شعوبنا الذل والهوان.. وآيات الله تتجلى في أبهى حللها.

من الآن ولاحقاً احذر..

ربما كنت أنت في نظر موظفيك أبنائك أو إخوانك ظالم، من يدري ربما يرقبون بشغف آية العبرة في موتك والتشفي في عاقبة خاتمتك..

نشر في أغسطس 2008م
وأعيدت صياغته في فبراير 2011م

خالد صافي

خالد صافي مختص في التسويق الرقمي ومدرب خبير في الإعلام الاجتماعي، حاصل على لقب سفير الشباب الفخري من وزير الشباب والرياضة التركية، حاز على جائزة أفضل مدونة عربية لعام 2012 من دويتشه فيله الألمانية.

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. شكراً لك أستاذي الفاضل علي مثل هذه الكلمات الرائعة التي عودتنا دائماً علي سماعها أشكرك جزيل الشكر علي مواضيعك الاكثر من رائعة
    يفترض من الشعوب أن تفعل كل ما فعلته منذ زمن بعيد لكن قدر الله وما شاء فعل أسأل الله لنا الأجر والثبات وأن يصبرنا علي ما ابتلينا به ويرزقنا الجنة
    كلمة أخيرة أختتم بها حديثي لشهداء الثورة المصرية والليبية نسأل الله لهم المغفرة وأن يسكنهم فسيح جناته عند النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان….
    حسبنا الله ونعم الوكيل علي كل الطواغيت والفراعنة كما أسلفت….
    دمتم بحفظ الرحمن والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
    مع تحياتي:  وميـــــ القلــــم ـــــض.

  2. يصح لسانك/ سيشفي الله صدور قوم مؤمنين، لكن بالصبر، والإخلاص، والعمل، والتجرد، والتفاني، والحب، والإيثار، والنظر للمستقبل، والحذر، والعلم، والتطور، والمثابرة …
    فالمسألة مسألة وقت،فلقد انتظر بنو أسرائيل المخلّص لكي يتحرروا من فرعون وزبانيته، وأهل فلسطين صلاح الدين وسيف الدين قطز، ونحن قد اقتربنا من الخلاص الصهيوني والعربي الظالم.
    ودمتم بعز 

  3. بسم الله الرحمن الرحيم
    والله يا أخي الموضوع كله كوم و التحذير الذي ذيل به الموضوع كوم آخر..
    صدقا عزيزي قد يكون أحدنا ظالم وهو لا يدري … اللهم أجرنا (آمين) .. وأعتقد أن الحل وارد ؟؟ من تخلق بأخلاق الرسول -صلى الله عليه وسلم- سيكون في مأمن من هذا المأزق والله أعلم..
    أما عن الأسئلة التي أوردتها فإني أرى التالي:
    أنه لم يتأخر النصر من عند الله بل من عند أنفسنا فإننا لم نقم بما هو واجب علينا لنستحق النصر وإن تاريخنا يزخر بالشواهد والدلائل على كيفية الانتصار ناهيك وبالدرجة الأولى ما ورد في القرآن الكريم من إشارات وما جرى على لسان سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- من كلمات و أن آيات الله لم تنته لكن على يد من ستجري ؟؟ هل هناك من هو حمل لهذه الكرامات؟؟
    أما عن الخاتمة -طبعا ضمن تفكيرنا المحدود والمادي- فإنها لا تشفي الغليل أما عند الله فهو أمر آخر لا يعلمه إلا هو .. لهذا كانت الحكمة والدليل على وجود يوم الحساب وأرى أنك استدركت هذا المعنى في نهاية الموضوع .. فـلنتأمل؟!
    أما وإني في ضيق شديد لبعدي عن ساحات المعارك والصدام … وإني أسأل الله أن يلحقني بالمرابطين المجاهدين هناك على أرض فلسطين ..
    ختاما … اللهم صلي على المصطفى صلاة دائمة بدوامك وسلم كذلك والحمد لله على ذلك.

  4. السلام عليكم-لقد ضمن الله تعالى الدفاع عن المؤمنين والنيل من اعدائهم فالمؤمنون محصنين ممنوعين من اعدائهم فاذا كان الامر كذلك لماذا نخوض المعارك ونجابه الاخطار فالجواب البديهي هنا ان الله وعدنا النصر واهلنا له بشرط ان ندافع عنه وان نكون حماة للاسلام وان نكون خليفة الله في الارض فلولا المقاومة ما اخرجت النفس مكنوناتها وطاقاتها فالمقاومة نحفظ الامانة لان النصر السهل الهين يسهله ضياعه لان الانفس لم تدرب على الحفاظ عليه اما النفس المربة على المقاومة قد تخطت الخوف والضعف وسقلت  واخرجت معادنها -اما لماذا يستبطئ النصر فلحكمة ارادا الله قد تكون الانفس لم تهيئ بعد للنصر وقد ياتي النصر بعدما نقد م كل غال ونفيس ونخلص له سبحانه النية وان يكون هدفنا اعلاء كلمة الله وتطهير انفسنا من كل الشوائب عند ذلك ياتي النصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Protected by WP Anti Spam
زر الذهاب إلى الأعلى