سياسة

كيف تحبط انقلاباً عسكرياً ناجحاً في 10 خطوات؟

كيف تحبط انقلاباً عسكرياً ناجحاً في 10 خطوات؟

كتب أحدهم ذات مرة: “كيف تصنع مذبحة ناجحة؟” فاستفاد مما خط جنرال عسكري وأعانه وزير داخلية في بلد ما على صنع مذابح إجرامية بامتياز، قتلوا وجرحوا الآلاف في أيام معدودة، كان لابد من خطوات مضادة لإفشال الانقلاب العسكري، بغرض تعميمها كتجربة للمظلومين من المواطنين حول العالم.

1- معركة النفَس الطويل

هذه الخطة طويلة المدى، فيها من الكر والفر والصولات والجولات ما يجعل الغلبة بعيدة المنال عن أصحاب النفس القصير، وفي كل مرة سيتطور خصمك ويستخدم أساليب أحدث، وأقذر، ويضرب من حيث لا تدري، سيستخدم الإعلام إقليمياً وعالمياً ضدك، ويسعى لحشد شريحة أكبر من المحايدين والمتفرجين، ويستخدم أمام العالم مصطلحات براقة، يصف أفعالك “بالإرهاب”، وجرائمه ما كانت إلا بعد فشل كل محاولات “ضبط النفس”، وقواته إنما تسعى “للحفاظ على هيبة الدولة”، وجنوده هم “حماة البلد”، يُغني له الإعلام “تسلم الأيادي”، ولجانه الشعبية هم حراس المنشآت والمراكز الحيوية والكنائس ودور العبادة ضد بربرية أنصارك، سيتحدث عن الأمن والأمان وجهوده لرأب الصدع ولم الشمل، في مؤتمرات صحفية ولقاءات ومناظرات تلفزيونية حتى يجرك لهذا المعترك، وتنتقل المعركة لمعسكر النقاش والجدل بدلاً من المساءلة والعمل.

عندما يلجأ الانقلابيون للمؤتمرات الصحفية تأكد أن هناك ضغوطاً خارجية تجبرهم على تبرير أفعالهم، وتوضيح أسباب جرائمهم، خاصة وأن الانقلابيين عادة ما يغلقون كافة وسائل الاتصال بهم حتى ينتهوا من مهمة الإبادة، ثم أمام العالم يُبدون أسفهم على الدماء التي أريقت وأن ما حدث إنما هو أمر خارج عن السيطرة لم يكن في نيتهم، والثوار هم من السبب في تدهور الحال لما عليه الآن.

2- سلمية مقابل الرصاص

ديدن الطغاة على مر العصور هو العنف واستخدام القوة المفرطة لإخماد الثورة والقضاء على أي بارقة ثورة متقدة في قلوب الثوار، والحل لدفع هذا الشلال المتدفق من الموت المحمول على أعناق البنادق هو السلمية، وعدم رفع السلاح؛ ذلك لأنه عندما يحمل كلا الطرفين السلاحَ يفقد الطرف الأضعف المصداقية أمام المحايدين والجهات الخارجية المتابعة للحدث، ويختلط الحابل بالنابل وتُلصق التهم بالطرفين على حد سواء، ويطالب البسطاء بإقصائهما معاً كسبيل وحيد لحل الأزمة..

لابد أن تُظهر للعالم أنك لا تحرص على قتل خصمك مثلما يسعى هو لإبادتك، وأن رسالتك سلمية لأجل الخروج من دائرة العنف بحل يرضي جميع الأطراف ويجمع تحته كل الأطياف.

ارفع شعار السلمية واهتف به في كل مظاهرة وميدان وكرره حتى ينطبع في أذهان العامة أن المسلمين لا يمكن أن يقتلوا أبداً.. كذّب أي عملية قتل – حتى لو شاهدها الناس على قنوات الإعلام المضاد – وأكّد أنها لعناصر مندسة ركّبت اللحى ولبست الجلابية وقتلت أمام العدسة المأجورة بدم بارد، ببساطة لأنك لا تملك السلاح، ولا يوجد في تنظيمك جهازاً عسكرياً، وشعارك منذ بداية الانقلاب وحتى نهايته سيبقى: سلمية.

3- مظاهرات مركزية وأخرى متفرقة

استنزف طاقة العسكر بمظاهرات متفرقة في مناطق جغرافية متنوعة، واعتمد على المظاهرات المركزية في المناسبات الأسبوعية، استنسخ نفس المسيرات بأسماء جديدة في أماكن مختلفة، مثل جمعة الغضب، أسبوع التحرر من العسكر، شهر الشهداء.

كثرة المظاهرات تغرق العسكر في دماء المواطنين أكثر، وتزيد رقعة الثائرين والموتورين مما يضمن انخراط شريحة أعرض في أرجاء الوطن؛ للثأر لذويهم واسترداد حقوق شهدائهم، من ناحية أخرى فإن أهمية المظاهرات المبعثرة جغرافياً تبع في تفويت الفرصة على قادة الانقلاب في:

– احتواء الثورة في مدينة بعينها.
– إعلان حالة العصيان المدني في منطقة جغرافية يتوجب قمعها.
– تركيز طاقة العسكر كلها في مكان جغرافي واحد، بل تتشتت في كافة الأماكن.

4- قادتك مع الناس في الميادين

يظن الانقلاب أن تشويه صورة القادة الثوار واتهامهم بأبشع الجرائم سيُخمد الثورة ويقضي على أمل أصحابها في النصر سحباً على حال قادة الانقلاب؛ لذا سينشر بين الفينة والأخرى أخباراً ملفقة عن القبض على قادة الثورة وهم يحاولون الفرار، وأخرى كاذبة عن انقسام أحدهم عن الحركة، وانشقاق مجموعات كبيرة وقتلهم لأنفسهم، وربما يصل الأمر لانتحارهم، وستسمع أخباراً عن استسلامك ورجوعك إلى صوابك وتسليم نفسك للجهات الرسمية رغم أنك في الميدان تتابع كل هذه الأخبار.

من المهم تواجد قادتك وذويهم مع الناس في الميادين وبين الحشود، اجعل مناصريك يأخذوا الصور لقيادي يشارك في تشييع جنازة شهيد، وآخر يلقي بياناً تحت الشمس الحارقة مع جموع المتظاهرين، وإلا فإن الإعلام المضاد سيتهمك بأنك تدير المؤامرة من وكرك، وتزج بالسذج في نار المعركة وأنت جالس في مكتبك المكيّف.

5- قضية شعب لا فصيل

من أهم المثالب التي تقلل عدد المشاركين في المسيرات والانتفاض ضد الانقلاب هو تحجيم الثورة على فصيل دون غيره، مما يعطي نقطة قوة للإنقلابيين باتهام هذا الفصيل بالخروج عن طريق العامة، والسعي للسلطة، والانقلاب على الانقلاب، وحتى لو كانت رسالة هذا الفصيل طاهرة سيحولها إعلام الانقلاب شذوذاً، انظر لفرية آل لوط عن نبي الله حين قالوا: “أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون“.[النمل: 56]

لذا من المهم دوماً أن تتحدث عن سعيك لمستقبل أفضل، هي قضية شعب أهين ويراد أن تنزع كرامته ويحاسب الآن بسبب اختياره الشرعية وأنك تقف إلى جواره، وخروجك كان لحماية الأمة كلها، وأنها ثورة لله لا للسلطة ولا للجاه، وبين الحين والآخر استدل بأقوال مناصرين من غير فصيلك، ومساندين من تيارات معادية تكره العسكر وتناصب الانقلاب العداء، انشر صور مناصريك من النساء اللاتي لا يرتدين الحجاب، والشباب وأيديهم تصافح أصدقاءهم الأقباط، والشهداء الذين قضوا وهم بلا لحى من شباب “شنكوتي” ثارت في عروقهم الدماء لأجل وطن يُسلب أمام أعينهم.

وعندما يصدر قادة الانقلاب بياناً بحل جماعتك أو إدراج حركتك على قائمة الإرهاب لا تجزع، لأنك تحمل الانتماء للبلد أولاً، لا الفصيل وهمك الأمة لا المصلحة الشخصية، وأعلنها من الميادين أنك مع محاسبة كافة الأطراف على جرائم الحرب التي اقترفت.

6- روحانية ودموية

وازن بين الحديث في إعلامك عن دموية الإنقلابيين وروحانية الثوار، وذلك لأن الإفراط في بث أخبار القتل والإمعان في التمثيل بالجثث واستخدام القوة المفرطة قد يُدخل الرعب في قلوب شريحة عريضة من المؤيدين فيثبط هممهم ويقهقر خطواتهم، وهو ما يريده أدعياء الانقلاب، وتوقع أنهم هم من سيكشر عن أنيابه أولاً ويلتقط الصور والمقاطع المرئية لعناصره وهم يمثّلون بالجثث وينكلون بالثوار، بالقتل والإهانة والرمي من فوق البنايات وإهدار الكرامة وإذلال المواطنين، وقد يصل الأمر للاغتصاب وانتهاك العرض، فلا تكن عوناً لهم في خطتهم بنشر جرائمهم..

بل توسط الأمر، بعد نشر أخبار ثلاث كرامات لشهداء قضوا مبتسمين فرحين بلقاء ربهم انشر صورة الشهيد الذي مثّلوا بجثته أمام الكاميرا، ثم ركّز على وصيتين لشهيدين أحدهما طلب الصلاة عليه في المسجد الأقصى إن قضى شهيداً، وآخر ناشد المسلمين في بقاع الأرض أن يسددوا دَينه (إيجار شقته السكنية) 450 جنيهاً حتى يلقى ربه وليس في عنقه حق لبشر، بعدها كلمات وداع خطّها شاب لأمه يعتذر لها عن خيبة الأمل التي سببها لها باستشهاده قبل الزواج مما حرمها من فرصة اللعب مع أطفاله، ثم تحدث عن الشهيد الذي فجروا رأسه وتبعثرت أشلاء مخه على الرصيف، واسأل العالم مستنكراً عن طبيعة هذا السلاح المستخدم، مستهجناً درجة برودة الدم الذي يجري في عروق هؤلاء القتلة؟!

ليس هذا استدراراً للشفقة، بل مخاطبة حكيمة لكافة طبائع البشر، المرهفة منها والحيوانية، الإنسانية والسلطوية.

7- جدلية أعداد الشهداء

الخطة: قتل أكبر عدد ممكن من الثوار، قد يصل لعشرات الآلاف بين ليلة وضحاها.
الهدف: الناس لن تصدق هذا الرقم الفلكي في هذا الوقت القصير، ولن تتخيل جرأة بشر على تنفيذه، وبالتالي نسف كل ما يتعلق بالمذبحة التي اقترفها الانقلاب؛ لذا في معادلة حصر الأرقام وأعداد الشهداء سيسعى إعلام الانقلاب لجرك لجدلية الأرقام، فينشر نبأ مقتل عناصر شريفة من عساكره أثناء فض الاشتباكات بين الأهالي والثوار الإرهابيين، ثم يمعن في استفزاز مشاعرك ويذكر عدداً متواضعاً من أنصارك المجرمين الذين قُتلوا برصاص العسكر بشكل غير مقصود، أو سيعلن بوقاحة أن بعضكم قتل الآخر ودفن جثثهم تحت المنصة، أو خبأها تحت منبر المسجد.

رواية الحياة: عند مخاطبة الغرب ابدأ بذكر عدد المصابين والجرحى ثم عدد الشهداء والقتلى، ومن الإنصاف أن تذكر المفقودين من كلا الطرفين، فهم أبناء بلدك حتى وإن كانوا من العسكر، وانقلبوا عليك وقتلوا أنصارك.

أما العرب فيتأثرون برواية الدم أسرع، فإذا ذكرت لهم رقماً يمثل عدد الشهداء الذين قضوا في المذبحة فلا تتراجع عنه لأقل منه حتى لو عاد شهداؤك للحياة مرة أخرى.

لا تفاخر أبداً بعدد الذين قضوا في جانب العسكر، فهذه ليست معركتك وإن أُجبرت عليها فالقتل ليس مدعاة فخر ولا شرف، ولن تكسب تأييداً حين تعلن مسئوليتك عن عملية اغتيال أو تفوق عسكري لأنصارك على مؤسسات الأمن في الدولة.

8- لست وحدك في الميدان ولا قوافل الشهداء حكر عليك

يسعى الانقلاب على مدار الزمن تشويه صورتك في أذهان العامة، وتمادى في وصمك بأفظع الجرائم، وستصل به الوقاحة لدرجة ذبح الاحساس لدى المشاهد بعد كل مذبحة يقتل فيها أنصارك في الميادين، فلا تتوقع تعاطف الناس حينما يصل عدد القتلى في صفوفك بالمئات، لأنه أوجد في الفكر الجمعي للعامة أن هؤلاء هم أعداء الوطن، هم سبب خراب البلد، وإبادتهم هو الحل الوحيد للاستقرار.

لذا انشر صور الذين قتلوا من الشخصيات الاعتبارية الهامة في البلد، مثل لاعب كرة القدم المحبوب، والمغني الشعبي المشهور، والمطرب الخلوق الملتزم الذي خرج دفاعاً عن الحق، تحدث من الميدان مع شخصيات اعتبارية اعتاد الناس سابقاً متابعتها على شاشات التلفزيون، مثل الفنانين والإعلاميين، وركز على أسمائهم إن كانوا ضمن قوافل الشهداء، واذكر كيف أنهم شاركوا بأرواحهم وأجسادهم في مواكب النزوح إلى السماء..

ولسان حالهم يقول:

“حسين ابن عمي وهدان مش ممكن يكون من أعداء الوطن!! أعداء الوطن؟ يا سنة سوخي.. دا هو اللي مفطمني ومعلمني.. مش ممكن يكون من أعداء الوطن أبداً يا باشا!”

9- الضغوط الدولية

اعلم أن السلمية وحدها لا تكفي، وإنما هي وسيلة لجذب تعاطف إقليمي ودعم عالمي، من حقوقيين وسياسيين وصناع قرار حول العالم، والمزعج أن العالم لا يتحرك رسمياً إلا مع الأحداث العظيمة والكوارث البيئية، ويلتزم الحياد معظم الوقت ويأبى الحكم إلا بعد سماع كل الأطراف، ولأنك لست الطرف المفضل في المعادلة، تجد الغرب يرفض المساندة بحجة أن الأمر التُبس عليه، وفي أحسن الأحوال سيرسل لجان تقصي حقائق ليبني على نتائجهم وجهة نظره.

في كل الأحوال لا تكن أنت المبادر لطلب التدخل الخارجي، الأجنبي خاصة، سيتهمك إعلام الانقلاب بالتخابر مع أعداء البلد، وفي ذات الوقت يغض الطرف عن اتصالات قادة الانقلاب العلنية مع أوروبا وأمريكا والجهات الخارجية الأخرى.

باب التأثير المنشود هو الصحف الأجنبية المستقلة وجمعيات حقوق الإنسان والمتضامنين الدوليين وأصحاب المبادرات الشبابية والصحفيين الأحرار، وأصحاب الشهادات الحية من المتواجدين في الميادين، خاطبهم برسالتك، واهتم بالمظاهرات العفوية الشعبية في أنحاء العالم تضامناً ومساندة لقضيتك العادلة، زوّد كل هؤلاء بالصور والشعارات التي يرفعوها والهتافات التي يصدحوا بها، مرر لهم صور المجازر والانتهاكات بحق أنصارك، وثق أنها ستؤتي أكلها.

10- توثيق الجرائم ليوم مشهود

يوقن ذوو الانقلاب أنهم على باطل، وأنهم يقومون بمغامرة احتمال فشلها أكبر من نجاحها، لكنهم يستمرون في حماقتهم لتحقيق مكاسب شخصية في فترة وجيزة، ظناً منهم أنهم سيفلتون بفعلتهم ولا مجال لكشف مؤامرتهم، إذا تدبروا أمرهم جيداً، لذا بعد كل مرحلة يحرقون أي دليل إدانة، من ملفات ولقاءات واجتماعات ومكاتب وأماكن، وقد يصل بهم الطغيان لحرق جثث الموتى أو دفنهم في أماكن مجهولة أو حتى رميها في قاع البحر، وقد يجبروا أهالي الشهداء أن يسجلوا سبب وفاة أبنائهم الانتحار حتى يستصدروا لهم تصاريح الدفن، وقد يحرقوا مسجداً بمن فيه، ومدينة كاملة لإزالة كل بصمات الاتهام ضدهم، في الحاضر والمستقبل.

من أجل ذلك من المهم جداً توثيق الأحداث يوماً بيوم، وأخذ الشهادات والإفادات من شهود العيان في سجلات خاصة، بنسخ عديدة تحفظ في أماكن متفرقة جغرافياً، وبأشكال متباينة منها الورقي والإلكتروني، المطبوع والمرئي والمسموع، المعلن منها والمستور، لأن الباطل مهما تمادى في ظلمه وغيه وتجبره سيزول وتشرق شمس الحق، ويأتي يوم ترد فيه الحقوق لأصحابها في الدنيا.. والله وعد رسله وعباده بالنصر في الدنيا والآخرة.

إنا لننصرُ رسلَنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار[سورة غافر: 51-52]

ملاحظة: هذه الخطوات التسعة ليس لها علاقة بالانقلاب العسكري في مصر، لا من قريب ولا من بعيد، وأي تشابه في الأسماء أو الأحداث إنما هو محض صدفة أخت شلن تحدث كل 40 سنة مرة.

خالد صافي

خالد صافي مختص في التسويق الرقمي ومدرب خبير في الإعلام الاجتماعي، حاصل على لقب سفير الشباب الفخري من وزير الشباب والرياضة التركية، حاز على جائزة أفضل مدونة عربية لعام 2012 من دويتشه فيله الألمانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Protected by WP Anti Spam
زر الذهاب إلى الأعلى