عندما جاءهم رمضان
مثل كل عام دلف إلى حجرته من النافذة الصغيرة رمضان.. يرفل في أريج معبق بالفرحة والبهجة، لكن مذاقه يختلف هذا العام، فأقسم أن يرى أخيراً، رمضان..
تجلت سعادته برمضان في استدارة عينيه الصغيرتين، في انطلاقته المرحة بين تكبيرات الفجر الجديد، مع ألعابه الصغيرة، وحركاته العفوية قبلما ينتصف النهار..
سأل الصغير: أماه، أين رمضان؟ هل حقاً جاءنا رمضان؟
عيناها تحذّره: لا تأكل ولا تشرب بقية النهار.. وإلا سيراك رمضان
هام على وجهه بحثاً عن رمضان، خرج مع رفاق يشاركوه غايته والهدف، مازال الكرى يخط الأخاديد ما بين عيونهم والجفون.. انطلقوا مبكراً يبحثون عن رمضان، محاولات عشوائية لم يكتب لمعظمها نجاحاً يذكر.. ولم يُرَوُّوا عيونهم بجمال المحتفى به رمضان..
اجتمع وأهله حول مائدة الانتظار يرقب في خشوع سيمفونية الأذان؛ علّه يراه بعدما أدبر الضياء وزحف الظلام ولم يمتع ناظريه بالضيف الكريم رمضان.. مضى بين الأطباق ورائحة الحساء والشواء والعصير بحثاً عنه متعجباً من طاقته على الاختباء وقدرته على الاختفاء عن الأنظار.. ربض يأسه قليلاً.. وحامت خيبة أمل ملولة حول عينيه إلى أن جذبه من بينها الأكبر أخوه عشاءً..
– أين نحن ذاهبان؟
– زيارة عمتي وغداً بقية الأرحام
– ولِم؟
– حتى يرضى الله عنا في رمضان..
لم تمهله جفونه فاستسلم لسلطانها فإذ بأخته تهزه برفق:
– قم معنا تناول السحور، هيا.. أسرع قبل أن يأتي رمضان..
على عجل أنهى معركته مع الطعام، كيما يرى رمضان، لكن هيهات..
رأى الهلال وسمع الأذان، أكل السحور واشترى الفانوس، قرأ قصار سور القرآن، علّق الأجندة وامتنع عن الطعام والشراب ولم ير رمضان..
ومن شباك غرفته الذي مازال موارباً، عند ناصية الشارع تحت الشجرة الصغيرة في الصباح رآه..
ليس رمضان بل طفل منكمش على نفسه ذابل العينين والثياب، أخته خلفه لا تعرف لها مكاناً سواه، إنهما أبناء الشهيد (عثمان)، يعرفهما جيداً ولكن قبل عام الحزن هذا، أما الآن فعيونهما تغرق في بحر من الألم..
جاءهم رمضان وغاب العم (عثمان)
من كان دوماً للسحور يوقظهم..
ومعه تذوقوا جمال رمضان..
أخيراً..
أدرك أنه رأى رمضان..
جد رائعة سلمت الايادي والعقل المفكر
خالد: سلمت على مرورك العطر
ولكن ما رأيك في حالهما وقد جاءهما رمضان وهما على ما قرأت؟