وأخيراً.. حرقنا الدولار في غزة

فوجئ الموظفون صبيحة الأول من مارس برائحة البارود تعبق أنوفهم، وهذا حدث ليس ذا أهمية كبيرة، فقد اعتاد العالم والناس في غزة على القذائف والصواريخ والمعدات الثقيلة والمتطورة، وتشرفوا بلقاء مباشر بمعظم الأسلحة الفتاكة قبل بقية البشر، لكن رائحة  البارود هذه المرة جاءت من مكان مختلف تماماً، وغير متوقع، تخيل أن تشم رائحة البارود تصدر من بين يديك، وتحديداً من راتبك لهذا الشهر..

أصل الحكاية

الساعة 7 من مساء يوم الخميس 24 فبراير: قصف إسرائيلي بأربعة صواريخ لسيارة متجهة من رفح لغزة تحمل “رواتب الموظفين” مما أسفر عن إصابة السائق وحرق ما نسبته 45% تقريباً من السيارة المستهدفة.. تم توزيع الأموال نصف المحترقة (المشعوطة) على رواتب الموظفين في كافة المؤسسات بحيث تصل كل شخص ورقة أو ورقتين على الأقل من الدولار بحلته الجديدة.. قد يكون السبب رغبة من الحكومة في صرف الرواتب في موعدها، أو حتى إعلان بصيغة جديدة لتحدي الصلف الإسرائيلي وحصاره الجائر.

نعرف جلياً أن الأموال تتدفق لغزة عبر أنفاقها، بعدما تحالفت أنظمة العرب مع الغرب والشيطان وراهنوا جميعاً على فناء هذا الشعب، وتدمير صموده.. لا تسمح البنوك بتحويل الأموال ولا حتى صرفها بالعملات الأجنبية، ولا تصل التبرعات المزعومة، ولا يبدأ التنفيذ في مشاريع إعادة الإعمار إلا بعد أطنان من الأوراق والتقارير والتنسيقات.. و.. والموافقة من الأربعة الكبار.

من الذي حرق من؟

احترق أهل غزة طويلاً حتى يصل الدولار جيوبهم، وبمجرد أن وصل الآن أيديهم نالته طائرات الـ F16 بالحرق والتشويه، وعلى النقيض مما توقع المحتل تماماً، فقد تلقى أهل غزة الخبر بالتندر والطرفة، فهذا أحدهم يسأل الآخر عن وجهته فيجيب: “للمخبز.. حتى أقبض الراتب.. بس يا رب ما يكون مشعوط كتير” ، ومن جهتها تبادلت مكاتب الصرافة الشعارات الجديدة للتسويق على غرار: “الدولار المشعوط عنا بناقص 2 شيكل“، بينما أصر أحدهم على أن يحتفظ بها للذكرى: ” مش رح أصرف قبضة الشهر.. رح أخلليها للذكرى“.. أما آخر ما توصل إليه قرار الثائرين في غزة من هتافات فهو: ” الشعب.. يريد.. تغيير.. الدولار“

ويبقى السؤال: هل سيتكرر ما حدث في رواتب مارس في رواتب أبريل وما بعده من الشهور؟ أم تطل علينا غزة بقصة “مسلية” جديدة كعهدنا بها؟