علمتني رحلة

المعلشة السودانية

كان عمر يقود بنا السيارة وسط المدينة مسرعًا كعادته، وإلى جواره همام، اقترب من دراجة نارية على ناصية الطريق وكاد يصطدم بها، حتى جاء صاحبها مهرولًا، وعلامات الغضب تكسو وجهه حممًا، وهو يصرخ ويهدر كمرجل ويغلي كبركان.. وبهدوء ينافس المحيط الهادي قال عمر لهمام: “احكي له معلش”
وبالفعل فتح همّام الباب وقال: “معلش”

هذه “المعلَشة” السودانية السريعة كانت السبب في أن يبتسم الرجل، ويرفع يده بالتحية داعيًا لنا بالسلامة في طريقنا..
أمضيت وقتًا في المقعد الخلفي أحلل الموقف محاولاً هضمه، الرجل قبل ثوانٍ كاد ينفجر غضبًا، وهو صاحب حق، ثم بكلمة واحدة تبخرت حمم الغضب دفعة واحدة وحلت الابتسامة مكانها!

سألت كلا من عمر وهمّام عن السحر الذي مارساه في هذا الجو الحار لإنهاء الموقف بهذه الطريقة، فقال همّام بهدوئه المعتاد: “قلت له معلش”
نعم؟!

معلش في بلدي لا يمكن أن تحل موقفًا، ولا تعيد حقًا، نحن نحتاج للكثير من الصراخ والعويل واللوم حتى نهدأ ونشعر أننا انتقمنا لأنفسنا وكرامتنا، وكرامة جيراننا وجيرانهم، قبل أن نبتسم لشخص أساء بحقنا لمجرد أنه قال لنا “معلش”

لابد أن يجتمع حولنا جمع من الناس يحاولون تهدئة الأطراف المتناحرة، ومحاباة كل طرف، وإقناعه أنه على صواب، وأن ما جرى سوء فهم بسيط يمكن حله لو جلس، فقط يحتاج جلسة على فنجان قهوة، ووجه، وعطوة، وجاهة، وجلسة عشائرية، وحديث عن عادات الأجداد والآباء وسماحتهم وكرمهم، وتذكير بمبادئ الإسلام في العفو عن الناس، لابد أن نُرضي غرورنا في أنه من حقنا أن نثور، ومن حقنا أن يرضينا من حولنا قبل أن نهدأ، ليس من الحكمة في عرفنا أن نهدأ وحدنا، عيب علينا أن نسامح قبل كثير من المراضاة.

أما أن يخطئ أحد في حقنا ثم يقول لنا “معلش” وينتظر منا العفو والسماح فهذا بحاجة لثلاثة أطنان من الليمون لهضمه.
أكمل همام قوله: “ح يسامحك السوادني بسرعة لما يعرف أنك مش قاصد إساءته”

كانت هذه واحدة من المواقف الكثيرة التي عرفت فيها نبل وطيب نفس السوادني وسماحة أخلاقه، ورجوت أن تتحلى شعوبنا ولو بمعشار هذه البساطة وتعرف المعلشة السودانية طريقها لتعاملاتهم.

خالد صافي

خالد صافي مختص في التسويق الرقمي ومدرب خبير في الإعلام الاجتماعي، حاصل على لقب سفير الشباب الفخري من وزير الشباب والرياضة التركية، حاز على جائزة أفضل مدونة عربية لعام 2012 من دويتشه فيله الألمانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Protected by WP Anti Spam
زر الذهاب إلى الأعلى