فاز الفيلم الأمريكي (آرغو Argo) بجائرة الأوسكار لأفضل فيلم لعام 2012 في مغازلة سياسية بامتياز، ودليل هيمنة السياسة حتى على صناعة الأفلام وعالم هوليود مترامي الأطراف، في تأكيد واضح أن الأفلام الأمريكية لا تستهدف الجمهور العالمي للترفيه فقط، بل للترويج السياسي والتنظير في كثير من الأحيان.
قصة الفلم:
مخرج الفيلم (بن أفليك Ben Affleck) وبطله الوحيد صنع – في 120 دقيقة – من قصة تهريب الدبلوماسيين الأمريكيين أثناء الثورة الإيرانية بين عامي 1979 و1980 أسطورة،حين احتُجز نحو ستين أمريكياً في السفارة الأمريكية في طهران كرهائن، بينما تمكّن ستة منهم من الاختباء في بيت السفير الكندي.
كانت مهمة خبير المخابرات الأمريكية (توني مانديز Tony Mendez) الذي يقوم بدوره (بن أفليك) إخراجهم بحكم اختصاصه في مثل هذه القضايا، وفي أثناء سؤاله لابنه هاتفياً عما يشاهده من أفلام الخيال العلمي في تلك الليلة على التلفاز تبادرت لذهنه فكرة غريبة لاستعادة الدبلوماسيين، ورغم غرابتها حظيت بموافقة الـ CIA لعدم وجود بديل آخر..
لاشك أن الفيلم مشحون بالمؤثرات والأحداث المثيرة والمواقف التي تحبس أنفاسك وتشدك لمقعدك حتى آخر مشهد، وأكاد أجزم أن رهبة المكان انتقلت لعظامي من الشاشة مباشرة، بما تعرضه من أحداث تحاكي الواقع في تلك الفترة العصيبة، العيون المتشككة في كل زقاق، والمشانق المعلقة على الجرافات، وأحداث الشغب والانفلات الأمني بما يحمله من خطر محدق قد يودي بالمواطنين الأصليين في طرفة عين، فما بالك بالحالة النفسية لمن هم أعداء البلد..
ليس تقليلاً ولكن مهما كانت القدرات الإنتاجية والإخراجية لهذا الفلم فهي – من وجهة نظري- مقارنة بالأفلام المرشحة لنفس الجائزة لهذا العام أقل قوة، ناهيك عن أن معظم الطاقم التمثيلي مجهول في عالم السينما، إنما جيء به للمقاربة الشكلية للشخصيات الحقيقية.
الفالكون الأمريكي يكسب:
ولأن القصة فيها نفخ لريش الصقر الأمريكي، ولأنها تضفي العبقرية والتفوق على جهاز الاستخبارات الأمريكية والمنتسبين إليه، وفيها بيان لقدراته الخارقة على خداع العدو القادم من الشرق، كان (آرغو) “الاختيار الموفق” على حد تعبير السيدة الأولى (ميشيل أوباما) زوجة رئيس البلاد، وهي تفتح المظروف على الهواء مباشرة لتعلن اسم الفائز من البيت الأبيض في دلالة سياسية واضحة.
حاز (آرغو) على الجائزة متخطياً فلم (لنكون Lincoln) الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية (أبراهام لينكون) أهم رؤسائها على الإطلاق، ومخرجه الأشهر والأغنى في تاريخ السينما في العالم، (ستيفين سبيلبيرج Steven Spielberg)، ذلك إنما لكسب حرب باردة من نوع جديد في ظل الأوضاع السياسية المتوترة مع الجمهورية الإيرانية، الغريم العتيد.
وفي رد مباشر أعلنت إيران أنها ستنتج فلمًا بعنوان “القيادة المشتركة” يروي قصة الأحداث من أجل “تصحيح الصورة المشوهة” التي قدمها (آرغو).
على اعتبار: الفلم بالفلم والبادي أظلم.
أين نحن؟
وفي ظل دورنا الأزلي المحفوف بالصمت، والمشحون بالحملقة والمكلل بالبحلقة..
لماذا لا يحق لنا أن نتساءل متى ستنخر السياسةُ الموجهة “بَكَراتِ” أفلامنا العربية وشاشات العرض الفلسطينية؟
لماذا لا يوجد ضمن السياسة العربية بند غزو إعلامي عابر للقارات، عبر أفلام هادفة ترفع شأن الأمة وتعلي أسماء رموزها؟
لماذا لم نصنع حتى الآن نماذج نضالية نفخر بسمتها العربي وبعدها الإسلامي، إذ تسعى لأجل الآخرين وتنشر الخير وتكافح لمساعدة البشرية، حتى وإن كانت أسطورية من نسج خيال مؤلفيها؟!..
لماذا دوناً عن بقية بلاد العالم حط (سوبرمان) رحاله في أمريكا وهو القادم من كوكب (كربتون)؟
ومن بعده اكتشفنا أن (باتمان) كان قد ولد في نفس الولاية التي يقطن فيها، وفي الشارع المجاور كان (سبايدر مان) و(ثور مان) و(كابتن أمريكا) و(آيرون مان) وآخرون، رغم التشابه الفظيع في مهمتهم وملابسهم وأقنعتهم، لم يقطع أحدهم رزق الآخرين، ولم يجدوا بداً في أن يكوّنوا تحالف (فريق العدالة) لمحاربة الشر وأعوان الجريمة، للدفاع عن الوطن، وحماية الأجيال القادمة، بل وحماية الأرض قاطبة من أي غزو خارجي قد يهددها..
لا تفتأ هوليود تضخ الأبطال للشاشة من الورق وتصدرهم للعالم، وتزج بالأسماء في الكيان المعرفي للبشرية بأصولهم الأمريكية، ومهمتهم الأسمى الحفاظ على العالم، لم يكن (سوبرمان) أولهم ولن يكون بطل الاستخبارات الأمريكية في (آرغو) آخرهم..
تاريخنا النضالي الطويل حافل بالنماذج الحقيقية، أصحاب الإنجازات العبقرية التي أبهرت البشرية وأفادت الإنسانية
ورغم ذلك لا نقدر أن نسوّق واحداً منها عالمياً
وعندما جربنا ذلك ذات مرة يتمية على شخصية من غزة
أظهرناه للعالم قاطع طريق يقض مضاجع اليهود
فقط لأنه ثائر لا يشبع إلا بإراقة الدماء..
بإسم الله الرحمــان الرحيــم , إنني لا استغرب هدا التدخل السياسي الامريكي في السينما , فالمتعارف على السياسة الامركية تدخلها في كل شيىء لنشر أفكارها و إضفاء الشرعية على جرائمها التي لوتت بها الارض طولا و عرضا, وفي المقابل تجد القيادات العربية تدعم و تمول الأعمــال السنمائية الصاقطة والهادفة الى الفساد الأخلاقي والإجتماعي لشباب الامة.
على العموم مقــالة رائعة أخي خــالد وتتحية مغربية خــالصة.