غزة: رباط المهاجرين أم هجرة المرابطين؟
بلا موعد سابق يسرت الأقدار اجتماع هؤلاء الآباء في جلسة على شواطئها المترامية يتبادلون أطراف الحديث، عن نفوسهم التي كلت وعقولهم التي ملت العيش في مجتمع لا يلبي طموحهم ولا يصل مدى آمالهم، كان هذا بعض ما دار بينهم من حديث:
أبو إيهاب: “أنا موظف بقدر أطعمي ولادي أحسن أكل وألبّسهم أحلى لبس، وأوفر إلهم كل شيء في البيت بس ما فيّ أغير البيئة اللي حواليهم حتى تناسب فكرهم، صح بوديهم ع المدرسة بس ما بثق لا في المدرسين ولا في طريقة تدريسهم، أساساً المدرسين هم الطبقة المطحونة في البلد مع احترامي لمهنتهم بس مش ماخدين حقهم، وأكيد ما في عندهم شي اسمه رضا وظيفي يخللي الواحد فيهم يبدع ويتفنن في توصيل الفكرة والمعلومة والمعرفة للأولاد.. “
أبو عماد: “على رأيك.. التعليم حاجة مهمة وتشغل بالي كتير لما أفكر في مستقبل الأولاد.. بس اللي بيزعجني أكتر يا أبو إيهاب هو العادات والتقاليد في الناس اللي حوالينا، يا راجل الولد يا دوب ينزل الشارع ربع ساعة بيرجع ع البيت بمعجم مصطلحات وكلمات ما أنزل الله بها من سلطان، الناس لسانها بجد بده شفرة وعاداتهم بدها مقص حديد مصدي في بلدنا”..
أبو صالح: “يمكن موضوع الحكي ساهل علاجه لما الأولاد يلقطوه بس الأصعب منه إنه يتبرمجوا على العنصرية، من يوم ما يعرف ينطق تلاقيه بيحكي حماس وفتح، زمالك وأهلي، والبلوة الجديدة هالأيام طالعين إلنا بحروب الريال والبرشا.. مش عارف وقتيش بدنا نصير نحترم بعضنا ونقبل الناس على علاتهم بدل ما احنا طول الوقت حرب نطاحن في بعض عشان غيرنا؟ الناس هنا مخها ضيق لكن برا الوسع بيخللي التفكير أوسع..”
رمزي: “إنتوا عمال تحكوا عن الأولاد والبيئة والعنصرية ومش عارف شو، طب حدا فيكوا فكر في شو وفره هو لأولاده وشو وفره إلو أبوه لما كان صغير؟ يا راجل إحنا لما بدنا نتزوج بندور على موظفة عشان فلوسها، ولما بدنا نسكن بندور على غرفة في بيت العيلة أو كتيرها شقة غرفتين وصالة بالإجار، وصرنا زي علب التونة كل عشرين عيلة في عمارة.. الله يرحم لما كنا نلعب قدام البيت ما نلاقي ولاد يكفوا نكمل فريق الكورة..
أبو عماد: “قصدك التوسع الأفقي والرأسي يعني.. عشان هيك أنا بفكر من زمان أطلع ع الأقل ألاقي مكان أتنفس فيه هوا جديد، بدل الخنقة، وشبابيك البرج اللي محروم أفتحها أتنفس”
أبو صالح: “يا عمي والله ما هي قصة برج ولا شبابيك أنا هايني ساكن في بيت لوحدي ملك بس في نفس الوقت قرفان العيشة هنا، مش قصة فلوس وأكل وشرب وسكن، الموضوع إني طموح شوية زيادة عن اللزوم”.
الولدين والبنت اللي عندي بدي إلهم مستقبل، وهادا ما بيصير في بلد ما فيها أقل وسائل الرعاية الصحية، والمراكز الثقافية، احكوا لي أكم مكتبة عندنا؟ أكم مؤسسة ثقافية محترم عليها العين؟ أكم مكان ترفيهي أقدر أقنع أولادي إنه يصلح يكون أحلى مكان لطشة الأسبوع؟ يا سيدي بلاش ترفيه ولا ثقافة.. وين هي المنظومة الحكومية المتكاملة اللي تخطط لرعاية الأجيال من طفولتهم وتعمل كشف صحي وعقلي دوري إلهم؟ وتهتم بتنمية مهاراتهم وإدراكهم ومستوى قدراتهم؟..
منصور: “في أي حكومة في العالم هادا الشي موجود أصلا؟”
أبو صالح: “في كل بلاد العالم المتحضر موجود كشف صحي لكل مواطن وكشف مالي وكشف مهني، بسهولة الحكومة بتقدر تحدد عندهم حالة أي شخص وحالته واحتياجاته”
أبو هشام: “تعرفوا في شغلة تانية كان نفسي حدا يحكي لي عنها، يمكن لو لاقيت اللي يحكي لي ياها لما تخرجت لسافرت ودورت على فرصتي من أول يوم أخدت الشهادة، بس صعب الآن الواحد يفكر في السفر وفي بيت وزوجة وأولاد وأقساط ومسئولية بيت، الواحد حاسس حاله كأنه ترس في طاحونة ما في مجال يطلع منها بخاطره، وإذا طلع المخسر أكبر من المكسب”
رمزي: بعرف ناس كتير حلقت للبلد واللي فيها طلعت وجربت حظها، صحيح اتبهدلوا في الأول بس بعدين ربنا فتحها عليهم وصار وضعهم أحسن بكتير.. انت ما سمعت المثل: من ليس له بداية محرقة ليس له نهاية مشرقة؟
أبو إيهاب: يعني قصدك نهاجر من البلد؟
رمزي: قصدي تجرب تدق ع الباب لحد ما تسمع الجواب، وأظن معظمنا ما شاء الله خبراء في عملنا يعني ممكن نقدم لوظائف تناسب طموحنا هناك.. ونتجاوز قصة البهدلة.. وبعدين أنا ما حكيت هجرة، كلها خمسطعش أو عشرين سنة وترجع وانت عامل لنفسك وأولادك شي عليه العين وكمان..
منصور: بس شو يضمني بعد الواحد وأربعين أظل عايش عشرين سنة كمان وما أموت هناك قبل ما أرجع؟
ع الأقل لو متت هنا يمكن أموت بدون ما أحقق شي من طموحي ولا أحلامي ولا حتى أأمن مستقبل واو لأولادي
ع الأقل راح أموت في أرض الرباط يا زلمة..
الناس برا بتحلم تعيش يوم عليها وطموحها تدوس على ترابها..
واحنا وصلنا لمرحلة نندم إننا عشنا فيها..
****
وخيم الصمت على المكان وكأنه العتاب..