يوميات مواطن قديم: عيد الأضحى المبارك
وإحنا صغار كنا نحب العيد كتير كتير، هو في صغير أصلاً ما بيحب العيد؟ وخصوصاً عيد الأضحى مكفي إنه كان اسمه العيد الكبير، على اعتبار كنا بناخد إجازة من المدرسة أطول، العيد كان غير ، زي ما بقولك هيك، ع الأقل العيد زمان كان إلو طعم ولون وريحة، آه ريحة تشمها في كل مكان، يمكن كانت ريحة الدم، مش عارف، يمكن ريحة طيبة الناس وفرحتهم الصادقة، يمكن ريحة جلد العجل وصوف الخرفان، صحيح ما حكيت لك إنه الضحية المعروفة هي الخرفان ومشتقاتها زي التيس والنعجة والعنزة، وكل ولد يتشاطر على صحابه: تيسنا أكبر من الباب، خروفنا إلو قرون حديد، عنزتنا إمبارح شفتها بتطير، من هاديك الأيام يمكن طلع المثل: “عنزة ولو طارت”، زي ما بقولك هيك.
قليل ما حدا في العيلة كلها كان يجيب بقرة أو عجل، ويا عيني لما يجي العجل ع الشارع بالليل في سيارة نقل تاندر، كل الأولاد يعملوا للمحروس إذاعة وحفل استقبال ويجروا وراه لحد ما يصل بيت صحابه، كان الأولاد عندهم ندالة مش طبيعية، ما حدا فيهم كان بيراعي مشاعر البقرة ونفسيتها، خصوصاً وإنها بكرا رح تندبح وبسلامتهم بقعدوا يغنوا لها: بكرا العيد ونعيد وندبح بقرة السيد، المسكينة كانت تتأمل خير وتحلم يسيبوها لما يغنوا: والسيد ما لو بقرة ندبح بنته هالشقرا، والشقرا ما فيها دم ندبح بنتو بنت العم..
زكروني بأمي لما كانت تحكي لأخويا في السرير: “نام يا حبيبي وأدبح لك جوز الحمام”، وأنا أسأل حالي: إيش ذنبه جوز الحمام المسكين يندبح كل يوم عشان خاطر بسلامته أخويا ينام؟
المهم ما كان في عجل حكر على أهله، خلاص طالما أجا العجل ع الشارع صار ملكية عامة وكل الأولاد لازم يشوفوه، ويطلعوا فوقه ويشدو ديله ومرات يضربوه، صحيح الأولاد كانوا مؤدبين مقارنة بشياطين هادي الأيام بس بردو كانت إلهم حركات ونهفات خصوصاً في العيد، زي ما بقولك هيك.
ما كان في موضة جوال بكاميرا ولا في حدا معه كمرا أصلاً يصور حاله وهو بيدبح أو وهو عامل حاله بيدبح، مين الأهبل اللي بده يضيع فرصة الاستمتاع باللحظة عشان يروح يتصور؟ مين بده يسيب شكل الدم وهو بيطلع زي الشلال ويروح يتصور؟
الأولاد كانت عندهم طريقة تانية يؤكدوا فيها إنهم شافوا هادي الضحية وانبسطوا، كل واحد كان يجري ع الدم وهو سخن يحط إيده ويلزقها ع الحيطة، ومين تبين أصابعه كلها هو الأشطر فينا، زي ما بقولك هيك.
كانت العيدية كتيرة وللا يمكن كان فيها بركة مش عارف، بس الأكيد إنه عدد الصغار كان قليل فكان سيدي الله يرحمه ما يخللي ولد صغير بيعرفه أو ما بيعرفه إلا ويعطيه العيدية، والغريب إنها كانت بتخلص تاني يوم العيد، كنا نفتري لما نشتري كبشات ليدن وحلو وقصماط وكل اللي نفسنا فيه، مع إنه فيه لحمة، ونروح ع المراجيح لحد ما ندوخ، ونرجع ع البيت مش مطلوب منا نعمل ولا حاجة، بس نفرح، ونشوي كباب، ونحط الدهنة على الفحم عشان يطلع ريحة ويعرفوا الناس اللي حوالينا إنا عملنا كباب، زي ما بقولك هيك.
كان سيدي يجيب كم خروف للعيلة كلها وكل واحد في البيت يشتغل في الضحية، سيدي يدبح، وستي تنضف الكرشة، أبويا يوزع أصناف اللحمة، وأمي ترتبها في الصواني، وإخواتي منهم اللي ينقل ومنهم اللي يوزع على الأهل والحبايب، أما عمي كان ينفخ الخروف من عند رجله قبل ما يسلخه، ولما كنت أسأل سيدي عن الصوف، كان يحكي لي إنه بيعمل منه جاعد يغطي المسند في الديوان، ويحط منه فوق الفرشة وتحت كانون النار، يعني الخروف ما كان بيعطينا لحمة وكباب ودهن وكرشة ودم ولعب وتسالي بس، كان كل هادول وزيادة، عشان هيك كنت مرات أحزن على صوته ليلة العيد طول الليل وهو تحت البلكونة ينادي: بااااء، كنت أفكر بينادي “بابا” بس بلغة الخرفان، زي ما بقولك هيك.
ولسه بتحكي: هو العيد هادي الأيام عيد؟
أعياد أيام زمان كانت إلها طعم ولون وريحة، زي ما بقولك هيك، هادا لأن أهلنا، أبهاتنا وأماتنا وأجدادنا وجداتنا وأعمامنا وأخوالنا كانوا فاهمين شو يعني العيد للصغار، كانوا جاهزين يقدموا لنا هادي البهجة ويعيشونا أحلى لحظات عمرنا، بفطرتهم كانوا مصدر سعادة لأولادهم، مش غريب إنه ربنا طرح البركة في كل شي قدموه إلنا..
اسأل نفسك شو عملت لأولادك وإخوانك من الحاجات اللي فوق كلها في عيد الأضحى..
بعدين احكي العيد أيام زمان كان غير..
زي ما بقولك هيك