عصر العبادة الرقمية
أهم شي في مواقع التواصل الاجتماعي هو تاريخ النشر، لدرجة أنه يُعتمد كرابط لأي منشور أو تغريدة أو تعليق، جرب أن تأخذ جولة سريعة على منشورات الأصدقاء، وانظر إلى أوقاتها، وقارنها بأوقات الصلوات، نعم أصدقاؤك ينشرون وقت صلاة الظهر ووقت صلاة العصر والمغرب والعشاء، وفي بعض الأحيان عند صلاة الفجر، ولحظة إقامة الصلاة، وحتى يوم الجمعة في وقت الخطبة، ولو دخلوا المساجد لسألوا عن كلمة مرور “الواي فاي” قبل السؤال عن طريق العبور للمتوضأ..
لا.. لا.. لا يوجد فرق في التوقيت فالحديث عن الأصدقاء في ذات البلد، نعم.. صديقك الآن سهران والساعة الثالثة فجرًا، وقت السَّحر، وقت ساعة الإجابة، وهو يدردش ويكتب، أو قد يسب ويسخط، أو يجادل ويناقش، أو في عبارة أخرى يتواصل مع أصدقائه، ونسي تماما أنه قطع تواصله مع خالقه..
صديقك نشيط، يتخذ من صفحته إلى الله وسيط، تراها زاخرة بالمواضيع ومنشوراته “متعوب” عليها، يقضي في اليوم ساعات طويلة في نشرها وإشهارها والرد على معجبيه، صديقك لا ينسى أحدًا من ردوده، عفواً.. صديقك نسي وروده، نسي ورده اليومي من القرآن، نسي الأذكار، نسي الدعاء والاستغفار، واكتفى بنشرها للأصدقاء على أمل أن ينال أجرها أضعافًا كثيرة، يذكّرهم بالصلاة على النبي ﷺ ولا يكلّف نفسه بقول: صلى الله عليه وسلم، ينسخ من واتس آب ويلصق على صفحته على فيسبوك، يأخذ الصور الدعوية من انستجرام مع بعض البهارات ليُبهر بها متابعيه على تليجرام، ويحصي لهم الحسنات قبل نشر المنشورات.
نسي شكل الكتاب ومصافحة الأصحاب، وآداب زيارة الأقارب ولقاءات الأهل والأحباب في الأحداث والمناسبات، وأصبحت عنده التهنئة منشور بكلمات مقتبسة، والتعزية رموز حزن صفراء باكية، والمباركة تصميم جاهز من جوجل مزين ببعض الزهور، وكلمات القدح #مقصودة، وكلمات المدح #منقولة.
من يمسك القلم في عالم اللمس واللوحيات؟
من يتعلم فنون الخط في عصر الكتابة الإلكترونية والرقميات؟
من أنهى كتابًا مذ دخل عهد التغريدات ومنشورات فيسبوك والحملات؟
وفوق ذلك أصبحت مقاييس تقييم الناس للأشياء والأحداث بعدد “اللايكات” و”الفولورز” والمعجبين والتعليقات، ونجاح الحملات بما تتركه من انطباعات، وقياس التأثير مرهون بتغريدة من مشهور، سواء أكان داعية أو راقصة، وأكبر ما تقدمه للفقير في مجاعته، وللمظلوم في مأساته وللمحتاج في ضعفه هو “شير” على فيسبوك أو “رتويت” على تويتر!