من دخل بيته فهو آمن – الأمان في زمن الإشاعة
عندما استشعر النبي صلى الله عليه وسلم خطورة تأجيج الرأي العام إبان فتح مكة، لم يترك الساحة مستباحة للإشاعات بل أطلق العنان لأقوى نداء ينقله رجاله في الميدان، فقالوا: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن»
صحيح أنه أراد تكريم أبي سفيان بإضافة اسمه لقائمة الأمان البيضاء، لكنه هدي نبوي أراد صلى الله عليه وسلم من خلاله أن يعلمنا طريق وأد الإشاعة في مهدها، بإغلاق باب التأويل أمام الخصوم، كان من الممكن أن يذيع الناس على لسان أبي سفيان خطاب إعلان الحرب، أو أن ينقلوا عن مصادر مطلعة أن أبا سفيان يجهز قوات الحرس الرئاسي على الحدود لغزو مكة بعد اجتياح الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته لها..
لذا طالب عليه الصلاة والسلام الناس لزوم بيوتهم؛ كي لا يتعرضوا للإشاعات ولا تجمعهم صفحات صفراء تصنعها، هو أراد فتح مكة بلا إراقة للدماء، بلا إشاعات تزعزع الجبهة الداخلية، بلا تدخل العامة في شئون إدارة البلاد، لأن كلمة واحدة من عامة الشعب وقت الأزمة قد ينقلها الناس بطريقة تقلب موازين المعادلة.
نعم كلمة واحدة، قال صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يُلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم»، هل سألت نفسك كيف لكلمة واحدة أن تهوي بصاحبها في نار جهنم؟ هي كلمة واحدة، كلمة فقط، تغريدة، منشور واحد، “بوست” في العالم الأزرق!
لا.. هي لم تَعد كلمة واحدة، بل كلمة مضروبة في عدد الذين سمعوها ونقلوها و”شيّروها” ونشروها وغردوا بها فأصبحت طاقة كبيرة من السخط تستوجب عذاب جهنم.
الأمان هو عدم التعرض للإشاعات، الأمان هو اللجوء للمصادر الرسمية والأماكن المعتبرة، الأمان هو أن تلزم بيتك وقت الفتن، وأن تحافظ على حسابك من الزلل.