الدائرة المحرمة – اختلاف التقنيات عبر الأزمنة
تمر الدول حسب قربها من الدين بثلاث محطات تبدأ بالقهر والاستضعاف ثم التمكين والانتشار ثم البدع والتراجع، وعندما آوى الفتية إلى الكهف كانوا مستضعفين في دينهم، وعندما أفاقوا بعد ثلاثمائة عام كان الدين قد وصل مرحلة البدع، نشهد على واحدة من تلك البدع في قوله تعالى: «قَالَ الذِّينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِدًا» فبناء المساجد على القبور مخالف لدين الأنبياء..
ويُقال أن المسلمين قالوا: “ابنوا عليهم بنيانًا يسترهم عن الناس حتى لا يفتتنوا بهم، إلا أن الرؤساء غلبوهم بالرأي وهو بناء المسجد”.. وعندما نبحث عن الحكمة في قبض أرواح أهل الكهف بعد فترة وجيزة من كشف أمرهم، نقول ربما لأنهم انتقلوا في الزمن إلى الأمام دون المرور بمرحلة التمكين والانتشار فاختلطت عليهم المعايير، وكان من الصعب تأقلمهم مع حياة التراخي التي يعيشها الناس في دينهم.. .
تخيل كيف سنقنع الناصر صلاح الدين أن يفتح له حسابًا على فيسبوك يخاطب به الغرب ويتحدث عن خطته في إبرام صلح على غرار صلح الرملة؟
وهل من الممكن أن يوافق العز بن عبد السلام على تسجيل مقاطع مرئية لخطبه الثورية تنشر على قناته على يوتيوب كي يحث المسلمين للدفاع عن بلاد الشام؟
ولماذا سينشر قطز صوره على انستجرام أو أخباره على واتس آب؟
وكم من الوقت سيحتاج يوسف بن تاشفين ليفهم ثم يتقن استخدام الآيفون؟
هذه الأدوات وغيرها كانت في عُرف الفتية دائرة محرمة أحاطوها بقولهم: «إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا»
دين الإسلام صالح لكل زمان لأنه يتمدد بمرونة مع الأدوات الجديدة ويستجيب لها، لكن من الصعب تطويع الناس لكافة الأدوات على مدى الزمان، ومن الطبيعي أن نجد من يحارب التقنيات الجديدة ويحرّم استخدامها ثم لن يجد بدًا من أن يستجيب لها أو أن يمضي حقبًا..