والدي الحاج نايف صافي في ذمة الله
“الحاج (مرفق) – رحمه الله – يسألني عن أبي، أبحث عنه فأعرف أنه بجانب المسجد، وبمجرد أن عرفت مكانه أخبرته به، ثم رأيت والدي يجلس إلى جواره في المقعد الأمامي للسيارة وينطلقا معًا..”
انتهى الحلم، فاتصلت بأمي فجرًا أخبرها ووالدي بجوارها يسمع حوارنا..
وكان من بين ما قاله: “ما كان الرفق في شيء إلا زانه.. الحمد لله على كل حال”
بعدها بيومين ساءت حالته الصحية ودخل المشفى وبعد أقل من 24 ساعة فاضت روحه إلى بارئها..
رفق الله به إذ قضى أجله بجوار مؤذن مسجد الشهداء الحاج (مرفق) الذي صحبه من جانب المسجد للقاء ربه، قُبضت روحه مساء الخميس في يوم ترفع فيه الأعمال إلى الله، وصلى عليه جمع غفير من الناس بعد صلاة الجمعة، ومشى في جنازته آلاف الناس، ووُري الثرى، وأقيمت له خمس بيوت عزاء: في مسقط رأسه بخان يونس، وفي اسطنبول وبروكسل والقاهرة والشارقة..
الكنز الذي جمعناه يا أبتي في حياتنا هو محبة الناس ودعواتهم الصادقة، ورأيناه يتجسد في خطوات المعزين وهم يتوافدون على بيوت العزاء، وهم ينشرون الرحمات على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي كيما تصلك هناك في عليائك، ورجاؤنا أن ذلك مصداقًا لقوله: “وكان أبوهما صالحًا”
أما أنا ولدك الضعيف فقد كنت أظن بي قوة وأنّي على المصائب صبور، وفي الملمّات جَلد جسور، وجدتني في لحظة أنهار والدمع من مقلتي أنهار، وبلا استئذان مني تغرق عيوني في بحر من الأحزان، حينما وصل خبر رحيلك مسمعي فارقت روحي جسدي..
سامِح دموعي إن سحّت فليس للمشتاق حول ولا قوة، أنا لا أبكيك أبتاه اعتراضًا فهذا أمر الله لا مفر منه ولا عنه تحويل، ولكن شوقي إليك هزني واشتياقي لحضنك أفقدني كل شعور، وتلك التفاصيل التي غابت ودفنت إلى جوارك يا والدي مازالت تتجاذبني..
أنّى أرى ابتسامتك ثانية؟ وكيف لي أن أعيش بلا نظرة من عينيك وضمة شوق من حضنك الحاني؟
قاتل الله الغربة إذ ضاعفت مرارة حزني، وزادت الفقد أطنانًا على كاهلي..
لأول مرة أحسد أحدًا كانت عندما رأيت الحشود حولك ينظرون إليك في نعشك، إنني مستعد أن أدفع كل ما أملك مقابل أن أجلس أمام جسدك الطاهر ألقي نظرة أخيرة على ملامحك الحانية ووجهك المتشح بالنور في جلاله الأخير
أن أطبع قبلة الوداع على جبينك الطيب تخلد ذكراك العطرة في وجداني..
أن أمشي مع الجموع أدعو لك وأبتهل في رحلتك الجنائزية إلى الحياة الأبدية..
ولكن حالت غربتي دون ذلك ولم ترضخ لأحزاني ولم تشفع لي دموعي..
أبتاه رحلتَ فلم يبقَ في الدنيا شيءٌ ذا جدوى
للجنة باب قد سُد إذ حان رحيلك يا أبتي
نحن أبناؤك عاهدنا أنفسنا ألا ندخر جهدًا في الصدقة عن روحك الطاهرة
وألا تتوقف قلوبنا ولا ألسنتنا عن الدعاء لك في كل صلاة وسجود
وأن ننفع الناس بالعلم الذي تعبت لأجل أن تعلمنا..
أبتاه طاب منامك الطويل، ورحم الله جسدك الطاهر الجميل، وتقبّل روحك النقية إذ ترتقي لباريها..
عسى الله أن يجمعنا بك في فردوسه الأعلى مع الصديقين والنبيين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا..
قال رسول الله ﷺ: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”
رواه مسلم
للهما اعطى وله ما اخذ وانا لله وانا اليه راجعون رحم الله والدك.