وحده هو العالِمُ بصفحات رحمته
نحن على الطرف الأول من الزمن نرى رجلاً يقتل طفلاً في الطريق، فتصيبنا دهشة موسى عليه السلام بسؤال واستنكار: أقتلتَ نفسًا زكية بغير نفس؟
ومع الصدمة تتناثر عشرات العبارات: طفل بريء، حادثة عظيمة، مأساة حزينة.. هذا ليس عدلاً!
لكن القدر المتمثل في صورة الخضر عليه السلام لا يجيب، وقد يبدو لوهلة أنه غير مكترث، إذ يحذّر من مغبة السؤال والتدخل في مجريات الأحداث، لقد قُضي الأمر مسبقًا في اللوح عند المولى عز وجل، وليس لنا إلا أن نصبر مع موسى عليه السلام حتى الفراق كي تنجلي لنا الحكمة، لحظة أن ننتقل للطرف الثاني من الزمن..
نحن الآن نعرف أن قتل الطفل رحمة لوالديه، أمه نفسها لا تعرف ذلك حتى يوم الناس هذا، كم بكت صغيرها وحزنت على فراقه لسنوات عجاف، حتى حين أبدلها الله غيره، ربما بقي حزنها عليه متقدًا ليوم موتها، ذلك أن القدر لم يفتح لها صفحات الرحمة في الدنيا تقرأ سطورها، ولن تعرف تلك الرحمة التي أغدقها الله عليها هي وزوجها إلا يوم القيامة، حين تمتثل أمام الحكيم المنان يذكّرها بنعمه التي لا تحصى، وعلى رأسها مصيبتها بمقتل ابنها..
نحن، بقصة موسى مع الخضر عليهما السلام المذكورة في سورة الكهف، مجهزون لقبول القدر حتى حين لا يوافق هوانا، لأننا نوقن أن ما يصيبنا من كوارث إنما لرحمة أكبر قدّرها المولى لنا، نؤمن أن رحمة الله قضت بأن أكثر من عشرين ألفًا ماتوا في كارثة الزلزال المدمر في سوريا وتركيا لخير أراده الله لصلاح البلاد والعباد، نعم تصيبنا الدهشة ويغلّفنا الحزن والانكسار وتحاصرنا الأسئلة من نوع لماذا؟ أطفال أبرياء، عائلات مشردة، برد قارص، وأمهات ثكلى ومأساة كبيرة..
قد يمنّ علينا المولى بأن نقرأ شيئًا من صفحات الرحمة ونشهد ميلاد الخير القادم في الدنيا، ولكننا لن نحيط به علمًا إلا حين يكشف الله لنا الحجب يوم لقاه، لحظة أن ننتقل للطرف الثاني من الزمن..
وقتها يُقال لنا: ﴿ذَلَكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَّلَيْهِ صَبْرًا﴾