تعرفت إلى عبادة التسبيح
من أعجب العبادات التي اهتديت إليها مؤخرًا عبادة التسبيح، حين نظرت في الآيات التي شملتها ودعت إليها حتى قبل بدء البشرية، حين أخبر المولى عز وجل الملائكة أنه جاعل في الأرض خليفة: ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ [البقرة – 30] فالتسبيح في نظر الملائكة هو الغاية من وجود الخلق.
وحتى في أصعب أزمة تمر بإنسان، قال يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت دعاءه: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء – 87] فالتسبيح نجاة
وقد أكد الله على ذلك بقوله: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات – 144]
وحين دعا موسى عليه السلام ربه أن يعيّن معه أخاه هارون، كانت الغاية هي تسبيح الله وذكره: ﴿وَاجْعَلْ لّيِ وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اُشْدُدُ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبَّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا﴾ [طه – 124]
وعرفنا من سيرة داود عليه السلام أن التسبيح هو ديدن الجبال والطير: ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ﴾ [الأنبياء – 79] وكذا الرعد: ﴿وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ﴾ [الرعد – 13]
وتؤكد الآيات في غير موضع أن الخلق كلهم يسبحون الله: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ..﴾ [النور – 41]
لا عجب فالكون بكل ما فيه ومن فيه يسبح لله: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء – 44]
وعندما عقد لسان زكريا عليه السلام عن الكلام أشار لقومه بالتسبيح: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ المِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم – 11] لم يغفل عن أهم واجب وهو في عز سعادته، لم ينس التسبيح وهو خارج من المحراب الذي بُشر فيه بالمولود الجديد.
وعندما درأ المسيح عيسى بن مريم الباطل عن نفسه قرنه بالتسبيح: ﴿قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ [المائدة – 116]
وحين جاء التوجيه الرباني لخير البرية محمد ﷺ للعلاج من ضيق الصدر وأحقاد البشر كان في قوله تعالي: ﴿وَلَقَدِ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾ [الحجر – 98]
ثم حدد له المولى أوقات التسبيح في آية عظيمة الشأن: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ [طه – 130]
وكأنه يؤكد لنا أن التسبيح يشمل اليوم كله، والغاية منه حصول النفس على الرضا والسكون الداخلي.
أتدري أنه حتى حين يكرمك المولى بالخلود الأبدي في الجنة سيكون دعاءك هو التسبيح؟
قال تعالي: ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾ [يونس – 10]
سبحانك ربي كم فاتنا من الوقت وضاع دون أن نستثمرها في التسبيح..