لماذا تشابهت أفعالهم وردودهم؟
أفرد القرآن مساحة واسعة لطرح الجدل القائم بين الأمم الغابرة والمصلحين من الأنبياء والمرسلين على مر العصور، والغريب أنه في كل مرة كان طرح المصلح يقابَل بالرفض اعتمادًا على الذريعة ذاتها من قومه، أنهم وجدوا آباءهم كذلك يفعلون: ﴿قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ [الشعراء: 7]
يقترح المصلح نهجًا وأسلوبًا جديدًا لتيسير معايش الناس ومعاملاتهم وحتى عباداتهم بما جاءه من وحي السماء، لكنهم عادة ما كانوا يتمترسون خلف جدار من عدم الاقتناع مسربل بالتمسك بالعادات والتقاليد التي نشأوا عليها، ظنًا منهم أن التغيير سيعطي الأفضلية للمصلح عليهم: ﴿قَالُوا أَجِئتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 78]
ولأننا خارج الإطار نرى الصورة الكلية من أعلى، والنتيجة الحتمية التي أدت لاندثار تلك العادات البالية وانتصار مبدأ المصلحين، وقد نعيب على الأمم عنادهم ورفضهم التغيير، وفي ظن كثير منا أن ذلك شأن غابر لا علاقة لنا به في حاضرنا، بينما يتحدث القرآن بيننا عن حالهم، ويورد لنا قصصهم كيما نعدّل من شأننا ونحدّث حياتنا بما يصلحُ حالنا.
يؤسفني أن أخبرك أن الناس مازالوا على حالهم، جرّب أن تحاور من حولك في كثير من عاداتهم اليومية، وناقشهم بأسئلة مباشرة:
لماذا تكبّد نفسك كل هذه التكاليف والديون عند الإقدام على الزواج؟
من الذي اخترع أن يكون العمل والإنجاز والدراسة في أيام الشتاء قصيرة الأجل، وأصر أن تكون الإجازة في الصيف طويل التيلة؟
من أين جاءت الحكومات بفرية تقديم أو تأخير عقارب الساعة 60 دقيقة في الصيف والشتاء؟
كيف تدحرج مسمى “بطل” ليصبح من يحمله هو ممثل يقدّم للناس مشاعر خادعة؟ ولماذا يطلق لقب “نجمة” على سيدة سيئة السمعة؟ بل لماذا تحصل على أجر أعلى من المدرسة والمربية والمعلمة؟ ولماذا ارتبط اسم الفن بهذا النوع من الانحراف؟
من الذي جعل لاعب كرة القدم قدوة لأبنائنا، والمغني ملهمًا لفتياتنا، والظهور على الشاشة حلمًا لأجيال كاملة؟
كلها أسئلة عن عادات وتقاليد نخرت في ثقافة أمتنا وحجزت لها مكانًا وفيه تربّعت، وحين يسعى المصلح لتفكيكها يقابَل بالصد والعناد من الناس، وعادة ما تنتهي ردودهم إلى: ﴿بَلْ قَالُوا إِنّا وَجَدْنا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنّا عَلَى آثَارِهِمْ مُّهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: 22]
من ناحيتك تولّ عنهم وقل: ﴿أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [الأنبياء: 67]