أكرم ضيفك يكرمك المولى
﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ﴾ [الذاريات: 25-28]
قد تقرأ هذه الآيات وتخرج منها بعبرة مفادها أن ابراهيم عليه السلام أكرم ضيفه وهم بدورهم بشروه بمولود جديد، وتنتهي علاقتك بها عند هذا الحد من الفائدة، ولكن حين تتدبرها تعرف معاني شتى عن التعامل مع الغرباء وإكرام الضيف وتقديم الطعام له.
لذا هيا بنا نتدبر..
وردت هذه الآيات في سورة الذاريات، أي الرياح التي تحمل الخير والبشرى، وهو الجو العام المسيطر على السورة وآياتها، وهنا عرفنا أن المولود الذي تزف الملائكة بشراه لإبراهيم وسارة هو إسحاق، الذي وصفه الله بالعليم وأورثها ذريته من بعده، لأن بشرى ميلاد إسماعيل جاءت متبوعة بصفة الحلم: ﴿فَبَشَّرناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ﴾ [الصافات: 101]
في الذاريات لم يعرف إبراهيم أن ضيوفه ملائكة، قالوا له ﴿سَلَامًا﴾ ورد عليهم ﴿سَلَامٌ﴾، النصب في تحيتهم يفيد بأنهم ختموها كأنما قالوا: “نسلّم عليك سلامًا”، بينما الرفع في رده فتح الباب للحوار: “سلام عليكم طيب..” تحية إبراهيم أفضل؛ لأن الرفع في لغة العرب أكمل من النصب.
رد عليهم بهذا السلام الجميل وفي نفسه قال هؤلاء قوم غير معروفين، ولم يبد لهم النفور منهم..
لاحظ حرف (ف) الذي رافق كل فعل قام به منذ وطئت أقدام ضيوفه بيته، وهو حرف عطف يدل على التعقيب والسرعة، لا زمن يذكر بين دخولهم بيته وعودته بعجل سمين.
وفيه فائدة: عندما يحل عليك ضيف سارع بإكرامه، ولا تسأله ولا تخيّره، بل قدّم له أفضل ما عندك..
ليس ذلك فحسب بل فاض كرمه في جملة من الآداب نتعلمها من تدبر كلمات:
﴿فَرَاغَ﴾: توحي بأن غيابه لم يكن ملحوظًا، لم يتأخر عن ضيوفه ولم يتركهم وحدهم، ولم يشعروا بالغربة في غرفة الضيوف وهم ينتظرون عودته من المطبخ، وأصوات الأواني تتناهى لمسامعهم وتزيد وحدتهم خجلاً، بل ذهب وعاد سريعًا لأن طول الغيبة عن الضيف تشعره بالاحتشام.
﴿إِلَى أَهْلِهِ﴾: لم يقترض الضيافة من جيرانه، ولم يطلبها (ديلڤري) من المطعم، بل من أكل بيته وإعداد أهله، مما يدل على أنه هيأ بيته وأهله على إكرام ضيوفه.
﴿فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ﴾: قدّم لضيوفه أجود طعام وأطيبه، جاء بعجل مشوي على الفحم كاملاً، وترك لهم حرية الاختيار منه، ليأكلوا منه ما يطيب لهم.
لا تجبر ضيفك على تناول ما تحب، بل اترك له الخيار لينتقي ما يستحسنه.
﴿فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ﴾: لم يطلب منهم الانتقال إلى غرفة أخرى، ولا الجلوس لطاولة السفرة، فالطعام هو الذي يقرّب للضيف لا العكس، لم يسألهم مساعدته في فرش الطعام، ولم يطلب من الخدم عنده أن يقوموا بذلك، بل قدمه هو بنفسه لهم وأشرف على ترتيبه، وهذا من تمام الكرم.
﴿قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ﴾: هذا عرض وتلطف في القول، أفضل من فعل الأمر بالأكل (كلوا) قد يحرج الضيف من إصرارك عليه بالأكل.
﴿فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾: خاف منهم لأن من لا يأكل طعامك قد تشك في نيته، لكنه لم يبد لهم الخوف وتصرف على طبيعته، فلما علم الملائكة من الله بخوفه طمأنوه وزفّوا له البشرى.
تدبرُ هذه الآيات فاض علينا بجملة من آداب الضيافة التي هي أشرف الآداب، وما عداها تخلّف وتكلّف..
هل عرفت الآن مصدرك الصحيح لتعلم ايتكيت تقديم الطعام للضيوف؟