الحمد لله بخير
الحمد لله بخير
العبارة الأولى التي تتصدر المشهد حين يسألك أحدهم عن حالك في الغربة، قد يراك إذ تقولها مقتضبة إنما تقي نفسك شر الحاسدين فليس من شأنهم – في عرفك – أن يعلموا شيئًا عن النعيم الذي ترفل في جوانبه..
هو يظنك تعيش في رفاهية تخاف على زوالها من عيون المحاصَرين في أوطانهم ممن يشتهون السفر ولا يقدرون عليه..
تتجرع مرارة الغربة وحدك وتكيل المدائح في وصف حياتك وعملك وعلاقاتك فيها بما ليس فيها؛ سعيًا منك للحفاظ على ما تبقى من مكانتك التي رسموها لك في أذهانهم..
وفي نفس الوقت كي لا تصطدم بهجمة مرتدة على هيئة سؤال استنكاري عنيد لا يفنى مع الزمن: ولم لا تعود؟
الحمد لله بخير
تكررها على مسامع أمك كيما تزيد قناعتها بها إذ تسمعك تحمد الله على الدوام على أمل أن ترى نتيجة ذلك سعادةً على وجهها وعزاءً لها في غربتك، فتقول في نفسها:
مادام هو مرتاح في غربته الله يسعده
هي نوع من الإصرار الذي تبهج به قلب أبيك وتبرهن له أهليتك واعتمادك على ذاتك فقد أصبحت ذاك الرجل الذي قوي عوده واشتد صلبه، ولن يلين لنوائب غربة مهما اشتد به الحال..
تستصغر أمامهما وقد تُخفي ما تعانيه من متاعب يومية وإجراءات حياتية شاقة؛ كي لا تسبب لهما الأرق عليك، وفي المقابل تتعاظم في خاطرك كل وعكة صحية تلم بهما أو بأحدهما أو بأقارب لك ولهما، ولا تنام الليل قلقًا على أحوالهم وهم في أوطانهم وأنت الغريب لا تجد من يرثى لحالك.
الحمد لله بخير
تختصر بها أيام وليالي تحترق فيها حرفيًا، وتتآكل ذاكرتك وتُجتث من الأرض جذورك، وتُزال من الهواتف أرقامك، ويمحى من الدعوات اسمك، وتخبو علاقاتك وتنطوي صفحة إنجازاتك من سجل أرحامك، وتختفي صورتك من أذهان أقاربك الذين يكبرون ويتزوجون وينجبون ويتمددون ولا يعرفون عنك إلا اسمك والبلد الذي تعيش فيه، وربما يتذكرونك في الأيام المعدودة التي تقضيها في إجازتك بينهم مرة كل بضع سنين.
من يرتضي الغربة وطنًا يصنع من اليوم الأول واقعًا وحنينًا لبلدين متباعدين، إذا روى روحه من أحدهما ظمأت نفسه للآخر، وحنّت جوارحه لحضنه، فسارع لزيارته لتعود جذوة الشوق تتقد في صدره لبلده الآخر، حتى لا يكاد يعرف أيهما يحن إليه أكثر، وفي أيهما سيمضي ما بقي له من عمره؟
وحين يسألونك عن حالك في الغربة تجيب: الحمد لله بخير