طوفان الأقصى الرقمي أشد مرارة وأقسى
الحرب الرقمية التي يقودها الشعب الفلسطيني لا تقل ضراوة عن الحرب العسكرية الطاحنة في الميدان، فالفضاء الإلكتروني ومنذ فجر السابع من أكتوبر يعج بملايين التغريدات والمنشورات والصور والمقاطع التي تناضل لأجل الوصول للعالم بلغاته المختلفة؛ لتضعه في صورة جرائم الحرب التي يقترفها الاحتلال بحق الأبرياء من المواطنين الفلسطينيين وعلى بث مباشر من أجهزة تتهاوى بطارياتها ولا يكاد يجد أصحابها الكهرباء لتنير ليلهم فيدخروها ليشحنوا (راوتر) متهالكًا موصولاً بشبكة إنترنت محدودة النطاق عبر أسلاك مهترئة، لكنها الوحيدة القادرة على ربطهم بالعالم الحر.
ليس الحصار وحده الذي يحجب هذه الرواية، فها هي تناضل ضد الذباب الإلكتروني واللجان الموجّهة التي أطلقتها استخبارات الاحتلال بالتعاون مع أنظمة عربية بغرض تشويه المقاومة وتعظيم مثالبها وتحقير إنجازاتها في نظر جيل يشهد لأول مرة اندحار إسرائيل وانكفاء قوتها وتقهقر جنودها أمام المقاومة ورجالها..
تناضل التغريدات ضد خوارزميات المنصات وتعقيدات الحذف والتقييد والحظر والإزالة المفصّلة على مقاس رغبة المحتل المشرعِن لها بقوته الاقتصادية تارة وبنفوذه السياسي أخرى، وبعنجهيته وصلفه تارة ثالثة، وها هي الحسابات والصفحات الفلسطينية والداعمة للحق الفلسطيني تتهاوى وتُزال حتى وإن كانت تابعة لوكالات إعلامية رسمية أو لشخصيات اعتبارية، كلها في نظر مقصلة الرأي العام الغربي “تحريضية” وغير مرغوب فيها، ولا مكان لحرية التعبير طالما أنها لا توافق مزاج مستوطن يحتسي قهوته في مكتب تنفيذي لإدارة منصات الإعلام الرقمي بإشراف مباشر ودعم لا محدود من إدارات تلك المنصات ورؤسائها أنفسهم..
صدّرت حكومة الاحتلال نفسها ضحية على يوتيوب ونشرت الإعلانات الممولة لحشد الرأي العالمي لروايتها، وروجّت سياسيًا وتراجيديًا الأحداث منذ بدايتها، وصرفت ملايين الدولارات لتمارس هوايتها في تضليل الرأي العام من خلال العصابة التي تضعها على أعين المارين على أحداث الصباح، العابرين إلى أعمالهم، الواثقين في صلاح رسالة هذه المنصات، كل ذلك بينما لا يسمح يوتيوب نفسه للرواية الفلسطينية بالظهور على منصته حتى ولو على شكل خبر موضوعي..
جرّب أن ترفع علم فلسطين رقميًا أو حتى أن تكتب اسمها صراحة في أكثر من منشور على منصات (ميتا)، جرب مارس حقك وقل للعالم الحر أنك صاحب رأي وأنك تدعم الفلسطينيين، قل ذلك وانتظر هجومًا من الذباب، واللجان والخوارزميات، والمنصات، وكثير من المتفيهقين بالمدنية والمتزلفين لإسرائيل والداعمين للتطبيع والمتواطئين مع رواية الاحتلال، والباحثين عن مكان لأمتنا في العالم المتحضر الخالي من المقاومة والمقاومين..
نحن لا نقاتل الاحتلال وحده، ولا نجاهد على الأرض فقط