آه يا مهند..

أتَساءلُ كيفَ كانَت أوّلُ ليلةٍ في القنادِيل؛ كيفَ كانَ أوّلُ عِناقٍ مع الأحِبّة علىٰ ضفافِ الجنّة، أتُراكَ عرفتَ أجوبَةَ أسئلتِكَ بالأمس، أتُراكَ سألتَ ما بينَك وبينَ ربِّك لِيُحِبّك كلُّ أهلِ الأرضِ ولم يعرِفوك؟
لعلّكَ وجدتَ عندَ ربِّكَ الجواب، وها نحنُ نقِف هنا علىٰ ـ رصيفِ الحِرمانِ ـ اليومَ أسًى وكمَدًا ولِسانُ الحَال:
عاشُوا بيننَا؛ نعرِفُهُم ويعرِفونَنا ؛ يُشبِهونَنا لكنّهُم لا يُشبِهونَنا؛ كمِثلِ النّجوم..
نراهُم لكِن هيهاتَ أن نبلُغهُم!
وآهٍ لِريحِ الجنّةِ يا أبا أُسَيْد..
وآهِ لِقلبٍ من فرطِ شوقهِ يُحبّرُ الدّمعَ في رِثاكُم تحبِيرًا!
حقًّا قلتَ فصدَقت؛ وكتبتَ فأجَدت؛ ونصَحتَ فأبلغت؛ وكنتَ في النّزالِ براءَ هذا الزّمان!
يا صاحِبَ اللّغة الجزِلة واللّسانِ الفصيح ، يا مخمومَ القلب يا مشرُوحَ الصّدر، يا صاحِبَ القرآن يا ضحُوكَ المبسَم.. يا أسدَ المعمعات، يا مُهنّدًا في وجهِ العِدا شاهِرًا.
أشرقَ دمعُ الأحداقِ علىٰ بُنودِ الوصِيّة الّتي طارَت معها الأرواحُ للسّماء، نحمِلُ كلَّ حرفٍ حبّرتهُ بِدمعِ قلبِك في أيسرِ الصّدرِ أمانة، أمانةً مِن قلبٍ عاشَ بِروحٍ تُحلِّقُ في القناديل.
يا صدعَ القلبِ إذ عرفناكم أحياءَ في الأرضِ قبلَ أن تحيَوا في السّماء، ويا ثِقَل العيشِ إذ عبَرتُم من بينِنَا قوافِلَ للجِنان، وتركتُمونا علىٰ لُعاعِ الدّنيَا فِي استِباقٍ ونِزال!
تُجرِي ذِكراكَ المدامِع لو تدرِي، “سبَقتنا يخو “..
أنتَ الّذي كنتَ تقولها في عبد الله ، وإنّا نقولها لك اليوم”سبقتنا يخو “..
عساكَ تُكحِّل العيونَ بِلُقياهُ في مقعدِ صدقٍ عند مليكٍ مُقتدِر ، عساكَ تروي ظمأَ أشواقِك بِشُربةٍ من يدي حبيبِك ﷺ عساكَ تُجاوِر اليومَ مَن أحبَبت..
تُعانِقهُم ويعانِقوك!
واترُكونا علىٰ ـ أرصفةِ الحِرمانِ ـ فما كانَ لنا إذ كان نصيبَكُم منازِلَ السّعداء إلاّ أن يكونَ نصيبُنا نحنُ المحرومُونَ الرّثاء، نصيبُنا قلبٌ مُلتاعٌ وروحٌ مُشتاقةٌ وعينٌ دامِعة ولِسانٌ يُردّدُ مع كلِّ مُرتَحِل:
قلّي وين رايِح.. مِسك منّك فايِح؟!
أتَساءلُ اليَوم:
أتُراكَ أخبرتَ اللهَ عنَّا، عن أقوامٍ تركتهُم علىٰ الأرضِ يشتاقُونَ السّماء.
أتساءلُ مابالُ وصِيّتكَ أبهرَتنا بالأمسِ وأنتَ علىٰ أديمِ الأرض؛
لكِنّها اليومَ تُبكِينَا وأنتَ علىٰ أديمِ السّماء!
جعلَ الله الفِردَوسَ مأواكُم
وفِي حواصلِ الطّيرِ جمَعنَا المليكُ وإيّاكُم..