عين على فلسطين

ماذا لو سلّمت المقاومة في غزة سلاحها؟

قراءة مستقبلية في سيناريو مفصلي

منذ السابع من أكتوبر، تتجه أنظار العالم نحو غزة، حيث تصرّ المقاومة على الصمود في وجه آلة عسكرية هي الأعتى في المنطقة. لكن، ماذا لو افترضنا – ولو افتراضًا تحليليًا – أن فصائل المقاومة قررت تسليم سلاحها؟
كيف ستبدو خريطة الواقع الفلسطيني والعربي بعد هذا التحول الجذري؟
هذا المقال يحاول تقديم قراءة موضوعية وعميقة لتداعيات هذا السيناريو المحتمل على الأطراف المعنية.

1. حركة حماس: تفريغ المشروع المقاوم

تسليم السلاح بالنسبة لحركة حماس لا يعني فقط توقف العمل العسكري، بل تفريغ جوهر المشروع المقاوم الذي تأسست عليه. السلاح في الحالة الفلسطينية ليس أداة هجومية بقدر ما هو رمز وجودي وردع سياسي.

في حال سُلّم السلاح:

  • ستفقد الحركة مكانتها في الشارع الفلسطيني باعتبارها كيانًا مقاومًا.
  • ستتعرض أجهزتها وكوادرها للملاحقة أو التصفية، سواء من الاحتلال أو أطراف محلية ودولية ترى في ذلك خطوة نحو “استقرار” شكلي.
  • سيُفرض عليها تغيير هيكلي، أو قد تُستبدل بسلطة تنفيذية جديدة خاضعة لوصاية دولية.

2. سكان غزة: من الحصار إلى الترويض

لأكثر من 17 عامًا، ظل صمود أهالي غزة قائمًا على معادلة: الكرامة مقابل الصبر. ومع تسليم السلاح، تنقلب المعادلة إلى: الهدوء مقابل الغذاء.

تداعيات ذلك ستكون واسعة:

  • سيتم تفكيك البنية المجتمعية المقاومة، واستبدالها بنماذج ثقافية وتربوية منزوعة الانتماء الوطني.
  • ستفرض منظومة أمنية مشددة لضبط السكان، ومنع أي محاولة لإحياء الوعي المقاوم.
  • سيُستخدم ملف الإعمار كأداة ضغط سياسي واجتماعي، بعيدًا عن الحلول الجذرية لقضية الاحتلال.

3. السلطة الفلسطينية: فرصة قصيرة الأمد

من المرجح أن يُعاد طرح السلطة الفلسطينية كـ”البديل الشرعي” لإدارة غزة، بدعم دولي وإقليمي.

لكن:

  • تاريخ السلطة في الضفة الغربية – من حيث التنسيق الأمني والتبعية الاقتصادية – يجعلها نموذجًا غير مقنع.
  • ستكون فترة إدارتها انتقالية، بانتظار صيغة جديدة لإدارة القطاع قد تكون بقيادة عربية مشتركة أو إشراف أممي.
  • تبقى السلطة أداة أكثر منها شريكًا فاعلًا في صياغة المستقبل السياسي.

4. مصر: دور يتراجع ومخاوف تتصاعد

مصر، بوصفها الجار الأكبر لغزة، ستكون من بين أكثر الأطراف تأثرًا:

  • تفقد موقعها كوسيط أساسي بعد زوال المقاومة، وبالتالي يتراجع دورها الإقليمي.
  • تزداد الضغوط الدولية لفتح سيناء أمام مشاريع إيواء أو إعادة توطين، ما يضع الدولة في مواجهة حساسيات أمنية ووطنية.
  • تصبح معادلة “غزة الهادئة” سلاحًا ذا حدين بالنسبة للأمن القومي المصري.

5. الأردن: الخطر الديموغرافي يعود للواجهة

غياب المقاومة في غزة يعيد للأردن هواجس “الوطن البديل”:

  • يتجدد الحديث عن توطين الفلسطينيين في الضفة والشرق، خصوصًا في ظل غياب مشروع تحرري جامع.
  • يضعف الدور الأردني في رعاية المقدسات الإسلامية، مع صعود مشاريع تدويل الحرم أو السيطرة الإسرائيلية المباشرة.
  • تواجه الدولة الأردنية تحديات داخلية بسبب الانقسام في المواقف من القضية الفلسطينية.

6. دول الخليج ودول الجوار: تسارع التطبيع

بمجرد اختفاء المقاومة كقوة فعلية:

  • تتسارع اتفاقيات التطبيع الاقتصادي والأمني مع إسرائيل، بزعم أن “السلام تحقق”.
  • يتم تحجيم الدعم الشعبي والرمزي للقضية الفلسطينية في الفضاء العام.
  • تتحول فلسطين من “قضية مركزية” إلى “ملف إنساني” تديره مؤسسات دولية وفق أجندات المانحين.

7. خلاصة: تسليم السلاح ليس نهاية الصراع.. بل بداية الانهيار

يظن البعض أن تسليم السلاح سينهي المعاناة، لكن الوقائع تقول عكس ذلك. فغياب المقاومة لا يحقق السلام، بل يفتح الباب لتصفية القضية وتفكيك ما تبقى من الهوية الوطنية.

السلاح ليس غاية، بل وسيلة لضمان الكرامة، وردع العدوان، والحفاظ على ما تبقى من توازن أمام اختلالات إقليمية ودولية متسارعة.

ولذلك، فإن تسليم السلاح دون مشروع وطني جامع ومستقل لن يفضي إلى تسوية عادلة، بل إلى انكسار طويل الأمد يتجاوز حدود غزة ليطال عمق الأمة كلها.

خالد صافي

خالد صافي مختص في التسويق الرقمي ومدرب خبير في الإعلام الاجتماعي، حاصل على لقب سفير الشباب الفخري من وزير الشباب والرياضة التركية، حاز على جائزة أفضل مدونة عربية لعام 2012 من دويتشه فيله الألمانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Protected by WP Anti Spam
زر الذهاب إلى الأعلى