عالم التقنية

إبتهال أبو السعد نموذجًا لمقاومة التواطؤ التكنولوجي

حين يصطدم الضمير الإنساني بمنظومات الذكاء الاصطناعي

في الذكرى الخمسين لتأسيس شركة مايكروسوفت، وبينما كان الاحتفال الرسمي يُبث عالميًا، صعدت المهندسة المغربية إبتهال أبو السعد – خريجة جامعة هارفارد ومهندسة برمجيات في قسم الذكاء الاصطناعي بالشركة – إلى المسرح، لتعلن موقفًا تاريخيًا صريحًا، اتّهمت فيه الشركة ومديرها التنفيذي لقسم الذكاء الاصطناعي، مصطفى سليمان، بالتواطؤ التقني في جرائم الإبادة المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.

الذكاء الاصطناعي في خدمة الاحتلال: بين صفقات السلاح وواجهات البرمجيات

لم يكن موقف إبتهال احتجاجًا عابرًا، بل صرخة أخلاقية داخل واحدة من أكثر غرف صناعة القرار التكنولوجي تأثيرًا في العالم.
وجاء في رسالتها التي عمّمتها على موظفي مايكروسوفت بعد خطابها:

شاهدت على مدار عام ونصف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعبنا في فلسطين، ووجدت أن جزءًا من عملي كان يُسهم في قتل الأطفال، والأطباء، والصحفيين، والمدنيين الأبرياء… لقد آن الأوان لاتخاذ موقف.

ما أشارت إليه إبتهال ليس رأيًا شخصيًا، بل حقيقة موثقة:

  • في عام 2022، وقّعت شركة مايكروسوفت (بالشراكة مع Amazon) عقدًا بقيمة 1.22 مليار دولار لتوفير خدمات الحوسبة السحابية والبنية التحتية الرقمية لجيش الاحتلال الإسرائيلي ضمن ما يُعرف بمشروع “Nimbus”، وهو مشروع يُمكّن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من استخدام خدمات Azure وAI وMachine Learning لتعزيز عملياتها الأمنية والاستخباراتية.
  • هذه الأدوات تُستخدم فعليًا في استهداف الأفراد عبر الطائرات بدون طيار، التعرّف على الوجوه، تحليل أنماط التنقل، وتحديد مواقع الأهداف البشرية بدقة، بما في ذلك الصحفيين والمستشفيات والمدارس، كما وثّقته منظمات حقوقية دولية.

إبتهال أمام منظومة القمع التقني والتمييز الداخلي

كشفت إبتهال عن وجود محاولات متكررة من موظفين آخرين للاعتراض على تسييس تكنولوجيا الشركة، لكنهم قُوبلوا بـ:

  • حملات تنمّر داخلية،
  • تهديدات وظيفية،
  • فصل مباشر من العمل.

ما حدث يُشير إلى ثقافة تكميم ممنهجة داخل الشركات الكبرى لكل من يحاول فضح تورّطها في النزاعات المسلحة، تحت غطاء الابتكار والتقدم التكنولوجي.

ازدواجية النخبة التقنية العربية: تطبيع معرفي وتماهي مع السلطة

المثير للسخرية، كما ظهر في الفيديو الذي انتشر عالميًا، هو سلوك المدير التنفيذي مصطفى سليمان – ذو الأصول العربية – الذي حاول أن يُقدّم نفسه على أنه “العقلاني” في مقابل إبتهال “الغاضبة”، مستخدمًا نبرة باردة تعكس تماهيًا مع العقلية الاستعمارية الغربية، حيث قال لها:

شكرًا، فهمت اعتراضك.

كأن المطلوب من الضحايا هو أن يحتجوا بهدوء، أن يتألموا بصمت، أن يعترضوا ضمن حدود البروتوكول.. بينما تُطوّر التكنولوجيا لتُستعمل ضد شعوبهم.
هذا المشهد يُجسّد عقدة الانبهار بالنموذج الغربي لدى بعض من يُسمّون أنفسهم “نخب عربية”، ممن استبدلوا معايير العدالة بمقاييس الربح والامتثال لمنظومات القوة.

مصطفى سليمان، المبرمج البريطاني من أصل سوري، ساهم في تأسيس “ديب مايند” قبل أن تُباع لجوجل، ثم التحق بمايكروسوفت ليصبح من أبرز وجوه الذكاء الاصطناعي في العالم.
لكن بينما كانت طائرات الاحتلال تُنهي حياة الأطفال في غزة، لم يكن مصطفى يرفع صوته. لم يحتج. لم يُعلق. ولم يُظهر أي موقف.
ظهر اسمه فجأة، ليس كمخترع، بل كمشارك في ماكينة تصنع أدوات يُشتبه في استخدامها ضد المدنيين. اتهمته مهندسة مغربية في مايكروسوفت، أمام العلن، بأنه شريك في القتل، لا باليد، بل بالاختراعات.
ربما لا يؤمن مصطفى بالعدالة، بقدر ما يؤمن بالوظيفة. وربما يخشى أن ينتهي به المطاف خارج دائرة النخبة، لو تحدث.

الفصل بين الأخلاق والتقنية: خطر على مستقبل البشرية

ما يُثير القلق اليوم هو كيف أصبحت شركات التكنولوجيا الكبرى طرفًا فاعلًا في النزاعات الجيوسياسية، لا عبر التصريحات، بل من خلال البنية الرقمية نفسها:

  • يتم تسليح الخوارزميات،
  • يتم تحويل الحوسبة إلى أداة رقابة واستهداف،
  • وتتحول البيانات إلى ذخيرة رقمية توجهها أنظمة قتل ذكية.

في هذا السياق، يمثل موقف إبتهال أبو السعد مقاومة رقمية ذات طابع أخلاقي وإنساني، تذكّرنا أن التكنولوجيا لا يمكن فصلها عن العدالة، وأن السكوت عن توظيفها في الإبادة هو شراكة في الجريمة.

الخلاصة:

  • الذكاء الاصطناعي ليس محايدًا.. بل يتحدد بأجندة من يُسيطر على بنيته ويوجّهه.
  • صفقات بمليارات الدولارات تُوقّع خلف الكواليس لتسليح الاحتلال رقميًا.
  • النخب المتماهية مع هذه المنظومات، حتى وإن كانت عربية، لا تمثل شعوبها، بل تمثل مصالح من يُدير الشبكة.

إبتهال أبو السعد قالت كلمتها في وجه آلة تقنية كبرى.. ونحن مدينون لها بأن نُكمل ما بدأته.

خالد صافي

خالد صافي مختص في التسويق الرقمي ومدرب خبير في الإعلام الاجتماعي، حاصل على لقب سفير الشباب الفخري من وزير الشباب والرياضة التركية، حاز على جائزة أفضل مدونة عربية لعام 2012 من دويتشه فيله الألمانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Protected by WP Anti Spam
زر الذهاب إلى الأعلى