جوال والوطنية موبايل من حجز الملعب ومن فاز بالجمهور؟
حملات شركات الاتصالات التسويقية نماذج رائعة للدراسة والاستفادة، وقد شهدنا في قطاع غزة هذا الشهر منافسة دارت رحاها بين شركتي جوال والوطنية موبايل..
وكانت تساؤلات الجمهور تبحث عن إجابة لسؤال عنيد: من فاز ومن خسر هذه المعركة؟
في مثل هذه المنافسات لا توجد خسارة، كلاهما فاز لكن بدرجة مختلفة، طالما أن الحديث المتداول في الشارع (التريند) كان حول الاتصالات الخلوية، فهذا يصب في مصلحة المتنافسيْن، وترتفع أسهمها مع زيادة الاهتمام بخدماتهما والعروض التي تقدمها كل منهما..
بينما النظرة المتعمقة تطرح نوعًا جديدًا من الأسئلة على شاكلة:
ترى من كان في خطة من؟
ومن أجبر منافسه على دخول مربعه؟
من اختار الملعب ومن كان من نصيبه الجمهور؟
دعونا نستعرض أحداث الشوط الأول من المبارزة:
- – من المفترض أن 25-10 هو تاريخ انطلاق الوطنية موبايل في غزة وليس شركة جوال، لكننا فوجئنا بالجيوش الخضراء تجتاح شوارع قطاع غزة بهدايا وعروض، وكأن جوال هي التي تحتفي بانطلاقة الوطنية موبايل..
- – اليافطات الإعلانية لشركة الوطنية موبايل ركزت على كلمة “بإيدك التغيير.. تحرر”، لتجد في ذات المكان بوسترات شركة جوال تقول: “أنا حر بطبعي”
- – الوطنية موبايل قالت: “وسّع للكبير.. الكبير وصل” وجوال ردت: “غزة كبيرة بأهلها.. العيلة الكبيرة تعطيك مزايا كتيرة”.
- – وضعت الوطنية موبايل ملصقات على زجاج السيارات والمحلات التجارية عليها سؤال مستفز: “أنا مع الوطنية وإنت؟” كان الرد من جوال: “مع جوال طبعا”
هذه الردود جميلة ولطيفة في مغزاها التنافسي، لكنها تعطينا مؤشرين:
الأول: الوطنية موبايل هي من تقود دفة الحوار التنافسي دومًا، بينما اختارت جوال أن تكون في خانة رد الفعل، التابع الذي ينتظر توجيهات ربان السفينة، إذن الوطنية كانت تختار نقطة الانطلاق والملعب، باقي الجمهور.
الثاني: جوال ترى أن الوطنية موبايل منافس مكافئ لها رغم أن حصة جوال السوقية في غزة قبل الافتتاح تكاد تصل 90%
هذا الانطباع انتقل بشكل فيروسي من جوال لجمهورها، فانطلق في دفاع مستميت عن الشركة وخدماتها، مما أوقع الشركة في خلل أكبر هو ضخ المزيد من الأموال لتعزيز الثوابت، والتذكير بالأساسيات، بالرقم 9 ، مقدمة جوال المعروفة فطريًا لدى المستخدمين، وكأنها تقول لهم ابتعدوا عن الرقم الآخر، لا تقتربوا من أي مقدمة غير 059
وكان لسان حال الوطنية موبايل: شكرًا جوال، نعم نحن الرقم الآخر، 6 ، الرقم الذي كنا نبحث بيأس عن طريقة لتسويقه لجمهورك العريض بسرعة البرق.. المقدمة المقابلة هي 056
وأيضًا شكرًا لأنكم أقنعتم المشترك الأخضر بالنزول للشارع، فقد كان الجمهور يحتشد في احتفالات جوال ليأخذ الجوائز صباحًا، وبعد الظهر يقف في طابور معارض الوطنية ليحجز شريحته جديدة بنفس الرقم، ولم تستطع كافة معارض الوطنية استيعاب هذا العدد من الجماهير.. الوطنية صار عندها جمهور!
ماذا عن الحملة المجنونة؟
انطلقت حملة الحصالة تزامنًا مع افتتاح معارض الوطنية، ولو جاز لنا تخيّل نتائج الحملة سنجد فيها ثلاثة منحنيات:
الأول يتصاعد بجنون هو خط الإنفاق على الحملة من جوائز وأرصدة،
والثاني يتحرك بشكل مطرد لأعلى هو خط الزيادة في تعبئة الرصيد،
والثالث: خط ثابت تقريبًا يمثل انضمام أعضاء جدد لعائلة جوال الكبيرة.
الحملة مجنونة بكل المقاييس، أصبحت حديث الشارع بين ليلة وضحاها، هدفها الأول هو كسب ولاء المستخدمين للشركة، وليس انضمام أعضاء جدد ولا حتى تعبئة رصيد بكثافة، صحيح أن الحملة حققت الهدف مع الفئة التي فازت بالجوائز، إلا أن أفئدة بقية المشتركين كانت تتمايل على أغصان العروض هنا وهناك، أموال الحصالة كان يمكن أن تؤثر إيجابًا في جمهور أوسع بشكل أفضل، لو وُزعت على هيئة أرصدة مجانية متفاوتة على كافة المشتركين لكسب ولائهم طيلة فترة انطلاق الوطنية.
ولكن ما هو المزيج التسويقي البديل؟
نجحت جوال في احتكار سوق قطاع غزة لمدة 18 عامًا، واستطاعت في شهور قليلة قبل موعد انطلاق الوطنية الاستحواذ على ولاء نسبة كبيرة من المستخدمين من خلال حملة الجنية الفلسطيني، وبرنامج سمارت، وخصومات الأجهزة الذكية مع برنامج الفاتورة، ولو استمرت على تلك الحملات الإستراتيجية بهدوء وقت انطلاق الوطنية موبايل لما توافدت الجماهير بالآلاف على معارض الوطنية ومقرات ونقاط البيع، ولما تحدثت وسائل الإعلام عن “الحرب التنافسية الطاحنة”، ولما تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي منشورات مفبركة تؤجج نار المنافسة، ولما وضع عامة الجمهور الشركتين في كفتي ميزان، ولما زادت نسبة الحصة السوقية للوطنية عن 10% من المشتركين.
أما إذا كانت جوال هي من حركت المياه الراكدة في حملة خط النفاذ، ودفعتنا للاهتمام بها إعلاميًا فقد نجحت في احتواء الأزمة التسويقية التي وقعت فيها، وهذه درجة عالية من التفكير الإستراتيجي بعيد المدى لا أنفي ولا أجزم بقطعية اعتماد الشركة عليها.