يوميات مواطن قديم: أول مرة عرفت فيها القطايف
أول مرة عرفت فيها القطايف كانت في الطابق الأرضي من بيت العائلة عندما جلب جدي المكسرات من دكانه، وطلب من عمتي بطرف حاجبه أن تجهز بقية الأغراض كي نصنع القطايف بعد الإفطار..
سيدي الحاج خالد – رحمه الله – كان عنده أربع بنات وأربعة أولاد، وبالرغم أن معظمهم كانوا متزوجين إلا أن الأبناء وعائلاتهم كانوا يأكلون في الطابق الأرضي، الرجال على سفرة والنساء على سفرة مع الأطفال..
بعد الافطار كان والدي متكأ على المسند المغطى بالقماش الخشن عادة المجالس القديمة، وعمي أبو محمد يحمّر اللوز على نار الغاز في المقلاة وعمتي التي جلبت “الهون” ويده النحاسية لستي تتناوب معها على دق اللوز الذي يستوي في مقلاة عمي وتهرسانه مع الفستق وعين الجمل..
بعد هنيهة يضيف عمي الأصغر عليه القرفة والسكر وجوز الهند كي تستلمه أمي وزوجة عمي وتحشياه داخل القطايف.. منظومة عمل متكاملة كل فرد فيها يعرف دوره إلا أنا كنت أراقب التفاصيل وأحفظ الأدوار وأقيّم بقدراتي الحسابية المتواضعة مدى إتقان كل فرد على أداء مهمته وأخمّن من سيسبق مَن بعده..
وكان بي شغف كبير لتجربة هذه القطايف الهلالية ومعرفة طعمها، بعد كل هذا التعب جاء دور القلي الذي كان من نصيب عمتي الصغرى، ثم إضافة القَطر، والتوزيع..
جلست مؤدبًا بجوار والدي – رحمه الله – أنظر أمامي على اعتبار أنني لا ألق بالاً لمن سيأتي عن يساري، فالصغار عادة يكون نصيبهم بعد الانتهاء من التوزيع على الكبار، ولكن بمجرد جلوسي إزاء والدي فقد حصلت على تذكرة دخول لنادي الكبار وسأكون بعده في الترتيب..
وبالفعل، كان الأول بعد جدي هو والدي ثم حظيت بحبة القطايف رقم ثلاثة، ساخنة نعم، يتدفق منها القطر ويكاد يغرق ملابسي، لكني حاورتها بذكاء وانتظرت مليًا حتى لانت واستكانت، وبدت مهيأة للالتهام، وبالفعل كانت العضة الأولى، ومعها جاءت الخيبة الكبيرة.. لا شيء مميز في الطعم، بل يكاد السكر يخنقني من كثرته والمكسرات المهروسة بالداخل تتناثر في كل مكان داخل فمي وخارجه في ثورة عشوائية لم اقدر على السيطرة عليها ولا معرفة أسبابها.. وكأنني النظام خرجت المكسرات لتسقطه، وكنت على وشك أن أعطس في وجه أول حبة قطايف لامست فمي.. تخيل نفسك تعطس في وجه محبوبتك!
مؤكد أنها ستنتفض، وهذا ما حدث مع أمي حين رأت المشهد أقبلت مسرعة تنقذني وربما ملابسي.. أخذتني للمطبخ كيما تغسل وجهي ويدي، وأنا أحاول أن أبرر لها بأن اللوم يقع على حبة القطايف وأن طعمها لم يكن جيدًا..
“القطايف هي أجمل وجبة تأكلها العائلة بعد الإفطار في رمضان..”
قالت أمي
منذ تلك اللحظة وأنا أبحث عن الجمال في طعم القطايف، جربت كل أنواع القطايف في كل رمضان، علّني أذوق جمال هذه الوجبة الموسمية، بحثت كثيرًا ولم أجد لسؤالي إجابة.. لكنني عندما دققت في جملة أمي عرفت أين يمكن جمالها..
وأنتم كذلك عرفتم الآن السر في جمال طعم القطايف!