في رحيل مربي الأجيال عمر الأغا أبو رامي
الأستاذ الفاضل ومربي الأجيال الحاج عمر عودة اسعيد محمد سالم إبراهيم محمد حسين عثمان إبراهيم الأغا في ذمة الله..
أذكر في أول لقاء جمعني به عندما كنت صغيرًا في المدرسة الابتدائية وأوصاه جدي الحاج خالد بي خيرًا، وكانا صديقين مقربين، فقال لي: “تعال يا حفيد آل حسين الأول” لم أفهم اللقب فتطوع مجيبًا: أنت خالد بن نايف بن الحاج خالد بن حسين حسن محمد إسماعيل صافي، أمك هي أمينة بنت الحاج خالد بن علي محمد علي فرع هنداوي وحمودة الفرا هادول فرع من طنطاوي، مش من فرع المباريك، المباريك أولاد مبروك اللي سكنوا في خان يونس الشيخ ناصر بيكونوا أولاد عم أبو شعبان اللي سكنوا غزة، مبروك وشعبان أخوة أولاد عبد الله.
أذهلني بقوة حفظه وقدرته على تتبع الأنساب، كل طلاب المدرسة كان يعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وأجدادهم لدرجة تذهل الطلاب أنفسهم.. حتى في ديوان العائلة عندما كان يزورنا ويسلّم عليه أحد كان يسأله: من أنت؟ بمجرد أن يقول له اسمه واسم والده يذكر له نسبه حتى عاشر جد وربما أكثر، ويخبره شجرة عائلته كاملة!
سألته مرة: “كيف تعرف هذا كله وتحفظه عم أبو رامي؟”
فقال لي ممازحًا: “أنا أكبر منك بيوم”
ظهرت معالم الدهشة جلية على ملامحي فقال لي: “أنا ولدت 20-3 وأنت 21-3 يعني أكبر منك بيوم والأكبر منك يعرف أكتر منك، بكرة أنت بتصير أكبر مني وتعرف أكتر مني”
تحيرت ولم أترك حيرتي في صدري هذه المرة فسألته: “كيف بكرة راح أصير أكبر منك؟”
وتركني في حيرة أكبر..
صحيح أنه كان ناظر مدرستنا أحمد عبد العزيز الابتدائية لكنه كان يحب التدريس جدًا وبمجرد أن يعلم أن مدرسًا قد اعتذر عن الحضور يحل محله ويعطينا درسًا في اللغة أو الخط أو الدّين أو يحاضر لنا محاضرة في فنون الحياة..
كان ذا خط جميل وحافظة قوية، ومحبًا للشعر والأدب، ولديه تفاعل راقي مع الكلمات يعيش أجواء خطبه ومحاضراته بشكل يجعلك تنسجم مع أدائه حين يحزن لفراق أم إسماعيل لولدها في الصحراء، ويتعب في السعي معها ذهابًا وإيابًا ثم تراه يهلل فرحًا لانفجار الماء تحت قدميه عليه السلام.
ومن حسن طالعي أنه انتقل ناظرًا لمدرسة عبد القادر الإعدادية في السنة التي انتقلت فيها طالبًا في المرحلة الإعدادية في ذات المدرسة، تعرفت على أبنائه رامي ورمّاح، وأصبحت صديًقا لعائلته المحترمة المحافظة..
في ذلك الحين 2002 أذكر أن نواة موقع عائلة الأغا على الإنترنت كانت فكرة انبثقت لتوثيق ذاكرته وما في ذهنه من أنساب العائلة، وتطوع هو ورسم شجرة العائلة العريقة، وانطلق يومها موقع النخلة الذي أصبح يستظل به كل أبناء المحافظة.
رحل رجل طالما صعد المنابر ووقف في الناس خطيبًا، وعلى القبور واعظًا، لم تفتقده جنازة في خان يونس كلها طيلة حياته، ولم يتوان يومًا عن أداء الواجب في مناسبة سعيدة أو حزينة لكل عائلات المحافَظة، بل كنت أراه يسعى ويهم الخطى في أرجاء القطاع بحثًا عن أجر في زيارة صديق أو عيادة مريض أو صلة قريب.. رجل تعرفه منابر الجمعة ودواوين العائلات وتحفظ ملامحه بيوت الإصلاح وعيون الصغار وقلوب الكبار، وفناجين القهوة وحفلات التخرج وكلمات التكريم..
رحل عن 80 عامًا قضاها في الخير والصلاح والإصلاح بين الناس..
ونشهد له بذلك ولا نزكي على الله أحدًا..
ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون.