ألطاف الله بك لا تعدّ ولا تحصى
يبهرني التفصيل الدقيق لقصة سيدنا يوسف، عليه السلام، في القرآن الكريم، إذ تطوي الآياتُ الزمانَ أمام عيني لحوادثَ صُنعت بقدَر متقن من لدن لطيف خبير.
حين تحجز لنفسك مكانًا محوريًا في القصة ترى الصورة تغلّفها المعاناة، ويسودها الحزن والألم والبكاء على الفراق، وحقد الأقارب وخيانة الزوجة، ومؤامرة كهنة المعبد، والسجن والظلم والنفي والإبعاد.
لكنه تدبير صنعه الخالق بإتقان كيما يختم لكل طرف في الصراع – باختياره – بالنجاة والفلاح، كان يمكن أن ينزع الله الحقد من قلوب إخوته، والشهوة من نفس زوجة العزيز الأمارة بالسوء، ويكف أذى نسوة المدينة اللاتي قطعن أيديهن، وأن يهدي الأمة كلها لتوحيده، لكنه ما خلق البشر ومعهم الأنبياء إلا ليختاروا: يوسف، وإخوته، وأبوه يعقوب النبي، وزوجة العزيز، وخادم الملك، والملك (إخناتون) نفسه، وبائع يوسف (مالك بن زعر)، والعاملين في قصر الملك، ونسوة المدينة، وحتى المساجين في سجن (زاويرا)، وشعب مصر الذي كان يعبد الإله (آمون)، كلهم اتفقوا في القصة التي نرى خيوطها من أعلى أنهم هم الذين اختاروا، وأنه عندما كان خيارهم صوابًا كان الخير نصيبهم.
عناية الرحمن تدخلت على شكل ألطاف خفية لتنقذ الجميع في قصة حِيكت فيها الرؤى والمنامات والكرامات وتقادير المولى بشكل دقيق؛ لتجعل لكل طرف الحرية في الاختيار حتى يكتمل دوره في تشكيل حلقات القصة.
حريّ بك إذ تستعرض تفاصيل القصة في القرآن أن تتمعن في قصة أنت الآن محورها فعلاً، وأن تنظر لتدبير الله لك ولمن حولك على مدار عقود عمرك، اجلس تأمل وابحث في شأنك والعلاقات التي تشابكت كي تصل لأن تكون في مقامك وعلى حالك هذه الآن، ثم حلّق بجناحيك أعلى من الكتاب الذي تدور فيه قصتك، وانظر من علوٍّ لألطاف الله بك مذ كنت صغيرًا، بل من قبل أن توجد في الدنيا، كيف جمع الله بين قلبي والديك وزرع حبك في فؤادهما..
حياتك في كنف من حولك بتفاصيلها هي قصة يوسف أخرى، حري بك أن تحسن في اختياراتك، وأن تصوّب قراراتك، قصتك أنت جديرة أن تجعلها سببًا في تسبيح مولاك وتمجيده على جميل جوده وكريم عطاياه حتى وإن بدت لك في ظاهرها مغلفة بالحزن والمعاناة والألم والبكاء..