متى نجد طعم الراحة؟
الأبواب أمام ناظريك عظيمة، تتدحرج عيونك عليها صعودًا بغية الوصول لنهايتها، تكاد تصل إلى السماء، لكن لا يوجد سماء.. هي أبواب تمتد إلى نهاية الأفق ارتفاعًا؛ وعرضها على مد البصر اتساعًا، والناس يتوافدون على هذه الأبواب.. الناس؟ بل قل البشر؟ لا بل الخلق كلهم من عرفت منهم ومن لم تألف، والملائكة يطوفون حول الخلائق ينادون كلاً باسمه..
إذن هذه هي المحطة قبل الأخيرة، وأنت لا تدري من أي الأبواب ستفِد إلى الجنة، أيها سيقودك إلى النعيم السرمدي، أيها كنت تداوم عليه أكثر، الصلاة أم الصدقة؟ الجهاد أم الصيام؟
الخَلق كلهم يسمعون اسمك، يا فلان ينادون اسمك عند باب الرّيان، يا لسعدك يا لفرحك وهَناك، أدركهم إنهم ينادون اسمك هناك..
تنظر في دهشة إلى الخلق حولك، كلهم يعرفونك، يحبونك، يحتفلون بفوزك، ويرقبون لحظة نجاتهم والإعلان عن أسمائهم مثلك، كلهم يتشوّفون من أي أبواب الجنة يدلفون، ومتى إلى حورها يُزفّون؟
هذا شعور السعادة والحبور وأنت ترى اسمك على باب الريان مخطوط بحروف من نور، باب واحد داوَمتَ في الدنيا على فعل فضائله أنار الطريق لروحك، وها هي الآن تتسامى للولوج عبره في سرور، ترى ما شعوره الصدّيق الذي كان رجاء النبي ﷺ له أن يُنادى اسمه على كل الأبواب؟
الزحام شديد ولا تكاد ترى موطأ قدم، ولعظمته كالجبل الشامخ ترى الباب من بعيد، لكنك مازلت عن مصراعيه بعيد، ودقات قلبك أسرع من خطى قدميك، وروحك ترنو لتلك النهاية السعيدة والفوز الأبدي، ترى النور يغشى الباب وإليه يشدك، وتسمع ضحكات مَن بالداخل وشهقات أنفاسهم، وصدى الشكر والحمد لا يفتر من حناجرهم، وترجو لو كانت لك أجنحة تحلّق بها فوق رؤوس الأشهاد كيما تصل إلى جنتك، تطول المسافة ويتضاعف القلق وتتزاحم الأفكار وأنت تحث الخطى ولا موعد للوصول، قد تمشي لسنوات والأمل يخبو ويعلو، والرجاء في رحمة المولى هو ما يحدوك للمواصلة والمسير..
- ماذا لو تأخرت، هل سيغلقون الباب دونك؟
- هل ستغلق هذه الأبواب يومًا؟
- هل سيزدحم المكان بالداخل ولن تجد لك في الفردوس مكانًا؟
- لماذا يعتريك التوتر واسمك على الباب مكتوب؟ لماذا الخوف والقلق وعدم الاستقرار وقد انتهى الحساب ورُفع الميزان وعرف الخلق مصائرهم؟
سئل الإمام أحمد رحمه الله:
متى يجد العبد طعم الراحة؟
قال: “عند أول قدم يضعها في الجنة”
فما حالك الآن وأنت مازلت في الدنيا؟