400 يوم على حرب الإبادة 3D

متى يتحرك العالم، إن لم تحركه إبادة استهدفت الحجر قبل البشر، واستأصلت الشجر وحاولت قتل الحياة ذاتها في غزة على مدار 400 يوم؟
كيف يبقى الصمتُ مخيمًا على الضمائر وهم يشاهدون هذه المجازر بدقة لا يحتملها العقل، وكأنما يشاهدون فيلمًا ثلاثي الأبعاد 3D، يرويه لنا الزمن بأدق تفاصيله، يرصد أنين البيوت المهدمة، ويصور وجوه الأطفال المشردين، ويمسح على أكتاف الأمهات المكلومات.
هذا العالم الذي بات يعرف كل شيء، يمتلك كل الأدلة والصور، يُحصي يومًا بيوم مآسي هذه الحرب، يُتابع الفصول المتعاقبة للقهر وكأنها قصة تُسرد عليه في جلسة مسائية هادئة. يعرفون من أين سقط الصاروخ، ومتى انهارت تلك العمارة، ويعرفون حتى ملامح الخوف التي خطّت على وجوه أطفالنا، يعرفون كل شيء… إلا الرحمة.
أيُّ عذرٍ يبقى لهم، وقد عرفوا قصص الشهداء كما يعرفون أخبارهم اليومية، وسمعوا بألمهم كما يسمعون موسيقاهم؟
أيُّ ضمير يُبرّر لهم أن يتفرجوا دون أن تمتد أيديهم، ولو بالكلمة الصادقة، دع عنك الفعل!
إنها حربٌ لم تكتفِ بجعل الموت صديقًا لنا، بل سعت لسرقة أحلامنا، لتدمير قصص الحب الصغيرة التي ما زلنا ننسجها في الأزقة، لتسلب أطفالنا حقهم في الطفولة، وتجعل من بيوتنا مدافن لأحلامنا، لأفراحنا، لذكرياتنا التي لم يمهلها القصف لتكتمل.
ولكن، يا غزة، مهما طال الزمن ومهما أمعن العالم في صمته، فإن الحقيقة لن تُدفن، والأمل سينبت كما تنبت الورود على أطراف الحقول التي رويت بدماء الأحرار. فصبركِ هو الصبر الجليل الذي قال عنه الرافعي: “إن الإنسان ليعجب كيف تحيا الحياة في قلبٍ عرف الحزن ولم يعرف الاستسلام.”
400 يوم مرّت، أربعمئة جرح لم يلتئم بعد، ولكننا نعلم، ونُدرك، أن شمس العدل ستشرق يومًا مهما طال الليل.