لماذا يُفضّل الغزّي الموت على النزوح؟

لأن النزوح في غزة ليس خيارًا، بل جحيم يُمشيك حيًّا إلى موتٍ بلا كرامة.
النزوح في غزة ليس هربًا من الموت، بل مشوارٌ إليه من طريق آخر،
هو أن تترك بيتك الذي بقي واقفًا بشقّ الأنفس، لتسير إلى العراء بلا مأوى ولا ملامح.
هو أن تودّع ما ادّخرته، ما جمعت فتاتًا فتاتًا، وتخرج منه خالي اليدين، محرومًا من حتى كسرة خبز كنت تخبّئها لطفلك.
هو ألا تجد وسيلة للنقل، وإن وجدت، لا تجد مالًا، وإن وجدت المال لا تجد سيارة، وإن وجدت كل ذلك،
فأنت تنتظر القصف على الطريق، لا الرحمة.
هو أن تمضي إلى مكان لا خيمة فيه،
وإن وجدت الخيمة، لا تجد فيها فراشًا ولا غطاء،
وتكتشف أن النزوح ليس مجرد انتقال، بل خلع لآدميتك، وتجريد لخصوصيتك، وطردٌ من كل تفاصيل الحياة.
هو أن تبحث عن قطرة ماء في أرض قاحلة،
أن تُضيّع الطريق إلى دورة مياه، أو أن تحفر بئرًا بيديك لتقضي حاجتك،
أن تبيت في رطوبة الرمال، وتستفيق على عفن الخيام، وروائح العجز والخذلان.
هو أن تنهار بنيتك النفسية لا الجسدية فحسب،
أن تتحول من رقم في بيت، إلى رقم في ورقة،
من إنسان له مفتاح بيت، إلى نازحٍ ينتظر الإغاثة والمنشور.
النزوح في غزة لا يشبه سوى الطرد من رحم الحياة،
بردٌ في الليل، حرٌ في النهار، جوعٌ في البطون، وقهرٌ في الصدور،
ورغبة دفينة أن لو كان الموت أقرب، لأراح الجسد مما لا يُطاق.
ولهذا، إن فضّل الغزّي البقاء في بيته تحت القصف، فليس لأنه لا يخاف الموت،
بل لأنه رأى في النزوح موتًا أطول، وأقسى، وأشد فتكًا بالروح.
فيا ليت قومي يعلمون،
ويا ليت العالم يعقل،
أن من يُخيّر بين الموت والنزوح في غزة..
قد لا يملك خيارًا أصلًا.