حجاج بيت فيسبوك الكرام
وكأنه الكعبة تحج إليه أصابعهم قبل أذكار الصباح، استبدلوا كساءها الأسود بشريط أزرق يعلو شاشاتهم البيضاء، وبدلاً من [لبيك اللهم ليبك] يحصون نصيبهم من المشاركة والتعليق و(اللايك)، الخير في عُرفهم في (كثرة الشير) وسوء الأدب في علمهم في (مداومة النكز)، كلهم لأصدقائهم أصدقاء، حتى الأب والأم والزوجة أضافوهم لقائمة الأصدقاء.
كل يوم في أدب جم يبدءون النشر بتحية صباحية، يرسلون الورد وينثرون العطر مع بطاقات التهاني الندية لمن لا يعرفون من البشرية، ويبخلون بسلام يلقوه بأيديهم لذويهم قبل الخروج من أهليهم، يرسمون على صفحاتهم البسمة بوجوه صفراء فاقع لونها تسر الناظرين، رغم أن ملامحهم لحظتها مكفهرة تعلوها غبرة.
يقدمون القرابين لأجل (الموافقة على طلب الصداقة)، ويضحون بزهرة أعمارهم يتسولون (كومنت) أو (لايك) من المارين على (البروفايل) سبيلاً، يطوفون بأعينهم سبعة أشواط على شريط (التايم لاين) أملاً في (بوست) يلطشوه، أو خبر يقبسوه، أو فيديو يشاركوه، أو (ستاتاس) يقلدوه، أو (فريند) يضيفوه، أو خروف ينحروه.
هم حكماء إذا علّقوا بحكمة صينية، وعلماء إذا اقتبسوا سطراً من دراسة بحثية، وفقهاء إذا نقلوا فتوى شرعية، ومثقفون إذا نشروا صورتهم في فعالية، وأدباء إذا قالوا أنهم يستمتعون بصوت فيروز مع قهوتهم الصباحية!
لهم في السياسة آراء، والجدل طبع لهم ورداء، وذو الحجة فيهم يسب الآخرين في رمضان وذي الحجة، ترى بينهم المقصرين والمحلقين شعورهم، والمتمتعين والمقيمين، والعاكفين والركع السجود، جاءوا من كل فج عميق، رجالاً وركباناً وعلى كل (لاب توب) وجهاز (تاتش)، كيما يذبحوا الرأي الآخر، ويحكّموا ظواهر المجتمع قاطبة من زاوية فكرهم ومجال رؤيتهم.
يأمرون الناس بأذكار الصباح وينسون أنفسهم، يحثون على الرواتب وهم في الفرائض مقصرون، يشاركون منشورات بعضهم الدعوية والمحصلة: لا وردٌ من القرآن يُتلى ولا ذكر يُعلى ولا إدمان يُنسى. يزهدون في السنن ويتوسعون في المباحات ويتهاونون في المحظور، ويسخرون من الشعائر ويتندرون بالأضاحي كل عام.
يُراءون الناس ويباهون في مطعمهم وملبسهم، ويغيظون الأصدقاء في سفرهم وترحالهم، يتبجحون بمعرفة أسماء المؤلفين وعناوين الكتب ولا يقرؤون، وظنهم أن حساب أحدهم على فيسبوك سيجعله من طبقة المثقفين، يضحكون ويبكون وهم صامتون، ويعلقون ويحاربون وهم جالسون، يشعلون الساحات والمجموعات والصفحات حرباً وهم قاعدون، يستهلكون ولا ينتجون ثم يتبعون أسماءهم بوصف (ناشطون)!
والغريب أنهم ينشرون هذا الموضوع وهم يبتسمون، مؤكد أنك تعرف أحدهم..
إنهم حجاج فيسبوك الكرام..
الذين لا يملّون زيارته 365 مرة كل عام!