عندما لا نرى إلا أنفسنا على فيسبوك!
لغرض تجاري بحت وربما سياسي أوجدت فيسبوك حارسًا آليًا على بوابة المعلومات المتدفقة من صفحات أصدقائنا ينتقي لنا ما نقرأ بناء على مزاجنا!
منذ دخلت الإنترنت بيوتنا شعرنا بقوتها في ربط أطراف العالم، ولما غزت قنوات الإعلام الجديد أجهزتنا عززت التواصل بين أصحاب الاهتمامات المشتركة، ولكن فجأة حدثت نقلة غير مرئية في كيفية تدفق المعلومات على الإنترنت، ولعدم اهتمامنا وعدم معرفتنا بها ساهمنا في جعلها مشكلة أدت لوجود أقليات متناثرة على الشبكة.
أصبح بمقدور فيسبوك الآن أن يفهم بذكاء برمجي أي صفحات تحب وأي محتوى يعجبك وأي أشخاص من أصدقائك لك أقرب، وبدون استشارتك يزيل المخالفين لوجهة نظرك ويُخفي أولئك الذين قلّ تواصلك بهم وسؤالك عنهم – ربما لاحظت اختفاء كثير من أصدقائك ومنشوراتهم مؤخرًا – ومن خلال خوارزمية خاصة تستند لأكثر من 10 آلاف معيار، على رأسها درجة الصلة، يتحكم فيسبوك في طبيعة المنشورات المعروضة على صفحتك الرئيسية، لتناسب ذوقك واهتمامك.
قد يبدو ذلك جميلاً للوهلة الأولى، فتخصيص المحتوى وظهور نتائج لأولئك الذين يوافقون رأيك وتوجهك مريح للأعصاب.
ينطبق هذا التخصيص على جوجل، فلو بحثت عن شيء ما وبحث صديق لك عن نفس الشيء في نفس اللحظة فستظهر له نتائج بحث مختلفة عن نتائجك، حتى وإن لم تكن سجلت الدخول لحسابك، فحسب أحد المهندسين في جوجل هناك 57 إشارة يرصدها جوجل، كنوع الحاسوب والمتصفح ومكان تواجدك؛ لإخراج نتائج بحث شخصية، بمعنى لا يوجد جوجل قياسي بعد الآن، والغريب أنه من الصعب رؤية مدى اختلاف نتائج بحثك عن أي شخص آخر .
لم يعد هذا التخصيص مقتصرًا على جوجل وفيسبوك، لقد انتشر ليغطي شبكة الإنترنت كلها، وهناك سباق حميم بين كثير من المواقع الضخمة والشركات العملاقة لتخصيص المحتوى بطرق مختلفة.
كان هناك حراس بوابات يتحكمون في تدفق المعلومات، ولما جاءت الإنترنت أزاحتهم عن الطريق وسمحت لنا جميعًا بالارتباط معًا، وكان الأمر رائعًا، أما الآن ومع هجرة الناس لمواقع التواصل الاجتماعي فكان لابد من تسليم المشعل من حراس البوابات البشريين لحراس خوارزميين رقميين لا يمتلكون أيًا من أخلاقيات المحررين البشريين لتتحكم في عالمنا وتقرر ما يمكن أن نراه وما لا يمكن أن نراه؛ لذا من الصواب ألا نجعل التخصيص مبنياً على درجة الصلة فقط، بل تضاف تصنيفات للمنشورات حسب الأهمية، وحسب التحدي ويجب أن نتأكد أنها تُظهر لنا نتائج غير مريحة أو تلك التي تحمل وجهات النظر المخالفة.
وعلى الصعيد الشخصي حافظ على تنوع أصدقائك واختلاف مشاربهم وأماكن تواجدهم، وانخرط بمنشورات تخالف رأيك وتتحدى فكرك.
ببساطة لأننا نريد من الإنترنت أن يربطنا جميعًا، أن يطلعنا على أفكار جديدة وأناس جدد بوجهات نظر مختلفة، ولن يكون ذلك إن بقينا منعزلين في شبكة إنترنت فردية.
__________
بعض ما جاء في هذا المقال يستند إلى: كونوا على حذر من “فقاعات الترشيح” على الإنترنت | إيلي باريسر